فلسفة الإصلاح في الجزائر:
مدخل: غن العلية التربوية والتعليمية في أي مجتمع من المجتمعات تقوم على فلسفة معينة وهذه الفلسفة تعبر عن مجموعة الأهداف التي يرغب المجتمع في تحقيقها فيعمل جاهدا على إنشاء جيل قادر على تجيد هذه الأهداف التي تتمثل في القيم المراد المحافظة عليها والحاجات المرغوب في تحقيقها وإشباعها وتختلف الفلسفة التعليمية باختلاف الايدولوجيا التي يقوم عليها المجتمع ،من هذا المنطلق يكون الإصلاح التعليمي ضرورة ملحة في أي مجتمع لان كل مرحلة من مراحل صيرورته لها تحدياتها التي تحدد أولويات الفلسفة التعليمية مثلا: بعد حصول الجزائر على استقلالها سنة 1962 تحددت الأولويات الاجتماعية في : محو الأمية ،استرجاع الهوية، إعداد الإطارات ، وتجسد ذلك في الإصلاح التعليمي الذي اعتمد على التعليم والعمل التجريدي على جزأرة وإصلاح التعليم ،وبعد أحداث أكتوبر 1988 أصبح دور المدرسة ضرورة مواكبة رياح الديمقراطية بتكريس حرية الرأي والتعبير والتفكير ، فالتعليم كان وما زال وبقى ليقا بقضايا التنمية الشاملة ووسيلة من وسائل الحراك الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر وغيرها من الدول وكل المجتمعات متفقة على ضرورة مراجعة النظم التعليمية من حين لآخر مواكبة لمختلف التطورات ،وأهم التحديات التي أصبحت تواجه المنظومة التعليمية في الجزائر وغيرها من بلدان العالم الثالث كيفية الصمود أمام تحديات العولمة الثقافية وتحديات تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
أهم الإصلاحات التي عرفتها المنظومة التعليمية في الجزائر ( محاضرة 02):
لماذا الإصلاح التعليمي؟ الإصلاح التعليمي في أي مجتمع من المجتمعات هو ضرورة ملحة تفرضها عدة عوامل منها: التغيرات الثقافية والاجتماعية التي تجعل من الإصلاح ضرورة ملحة إضافة إلى ظاهرة راع الأجيال داخل كل مجتمع التي تجعل الأجيال الناشئة تطمح بطبيعتها إلى تحديد المناهج والبرامج حتى تصبح مترجمة لطموحاتها.
والجزائر كغيرها من الدول لا تستثنى من هذه القاعدة إذا وجدت نفسها بعد الاستقلال مضطرة إلى إعادة النظر في منظومتها التعليمية عدة مرات يمكن حصرها في المراحل التالية :
1- مرحلة ( 19621976): وهي المرحلة التي أعقبت الاستقلال مباشرة
واتخذت هذه المرحلة مجموعة من الأولويات تمثلت في :
1/- محو الأمية التي كانت منتشرة بشكل رهيب ابّان الفترة الاستعمارية.
2/- إعادة الاعتبار للهوية الوطنية القائمة على مبدأين العروبة والإسلام.
3/- جزأرة إطارات الدولة الجزائرية .
ولتحقيق هذه الأهداف والأولويات اعتمد الإصلاح التعليمي في الجزائر على:
- التعريب التدريجي للتعليم .
- تعميم التعليم والزاميته للجميع.
- تكييف مضامين البرامج الموروثة عن الاستعمار الفرنسي مع خصائص المجتمع الجزائري.
2- مرحلة ثانية بعد 1976 : بدأت بصدور المرسوم رقم 35 المؤرخ في 16 ابريل 1976 الذي تضمن تنظيم قطاعي التربية والتكوين في الجزائر والذي أدخل إصلاحات عميقة حتى تصبح المدرسة الجزائرية متماشية مع التحولات العميقة التي عرفها المجتمع الجزائري في مختلف المجالات ومن الأمور التي تضمنها المرسوم السالف الذكر ما يلي:
1- اعتبار المدرسة الجزائرية مدرسة وطنية بإطاراتها وبرامجها ومناهجها.
2- اعتبار المدرسة الجزائرية مدرسة ديمقراطية من خلال إتاحتها الفرصة لجميع الجزائريين بدون استثناء.
3- جعل المدرسة الجزائرية متفتحة على مختلف العلوم والتكنولوجيات.
وعلى العموم فإن المختصين في علوم التربية قسموا أهداف الإصلاح التعليمي الوارد في المرسوم السالف الذكر إلى هدفين:
أ/- أهداف وطنية: تتمثل في تنمية شخصية الطفل الجزائري وإعداده للعمل والحياة من خلال حساب مختلف العلوم والمعارف.
ب/- أهداف دولية: تتمثل في منح الطفل تكوينا يساعده على التفاهم والتعاون مع مختلف الشعوب.
وصار التعليم وفق هذا المرسوم مهيكل حب المراحل التالية: تعليم تحضيري غير إجباري ،تعليم أساسي مجاني لمدة 09 سنوات ، تعليم ثانوي عام ،تعليم ثانوي تقني ، ومع ذلك لم يشرع في تطبيق هذه الإصلاحات تطبيقا شاملا إلا خلال سنتي 1980،1981 وما زال هذا الإصلاح يعد إطار مرجعي لأي مشروع لتعديل النظام التعليمي في الجزائر.
مرحلة ثالثة:1999: اعتمد فيها الإصلاح التعليمي على إعادة الهيكلة وتبني خطط تعليم خارج جدران المدرسة، إصلاح المناهج والبرامج وذلك بتبني المناهج.المعتمد على المقاربة بالكفاءات ، والاعتماد على الرسكلة الدائمة لإطارات التعليم
التقويم : يبنى الإصلاح التعليمي التقويم المستمر للمتمدرس ثم التكفل بتدريس اللغة الأمازيغية التي تبناها دستور 1999 كأحد أبعاد الهوية الجزائرية.
ما هي الفلسفة التعليمية التي اعتمدها المشرع الجزائري خلال هذه المراحل الثلاث؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب التعريج أولا على أهم الفلسفات التعليمية في العالم.
أهم الفلسفات التعليمية في العالم ( محاضرة رقم 03):
1/- في المجتمعات القديمة : فطر الإنسان على التعلم وهذا ما جعله يهتم بنقل تجاربه وخبراته لغيره ومن هنا ظهر التعلم والتعليم في ابسط صوره لدى الإنسان البدائي من خلال وضع الفرد لذاكرته في خدمة غيرهن فالإنسان البدائي الذي ولد ضعيفا وعازب بيولوجيا استطاع أن يؤمن معيشته وينمي ملكاته بفضل ما تعلمه من بيئته ومحيطه فشكل الإنسان الأسرة ثم القبيلة وانطلق في توحيد الجهود من اجل تامين الضرورات ويخطأ من يعتقد أن الفضل فيما أحرزه الإنسان الحديث من تقدم يرجع إلى قدرته العجيبة على التكيف البيولوجي فالحقيقة التي لامناص منها أن الإنسان ما كان ليلقى على قيد الحياة لولا لم يتعلم كيف يحم نفه وغيره في الوسط الطبيعي المتعدد المخاطر وذلك بفضل ما تعلمته الأجيال المتعاقبة ،وبالرجوع إلى تاريخ الشعوب نجد أن التعليم لازم دوما المجتمعات البشرية وان اتخذ تسميات وأشكال مختلفة ففي المجتمعات البدائية كان الفرد يتكفل بتعليم نفه بنفسه وقلما يتكفل أحد بتعليمه وكان هدف التعليم والمعّلم : تهذيب الطباع وتنمية القابليات والكفاءات الفردية فكان التعليم في هذه المجتمعات يتميز بالعفوية المعتمدة على الفطرة وعلى المحيط المباشر ، هذا الأسلوب في التعلم لازال منتشرا في شتى أنحاء العالم اليوم لأن الطفل اليوم والراشد لا زال كلا منهما يتلقى جزءا كبيرا من معلوماته عن المحيط الذي يعش فيه مباشرة ومع مر العور ظهرت الكتابة وظهرت بعدها المدرسة في ابسط صورها حتى وصلت إلى شكلها الحديث ومهما اختلفت الشعوب فغن التنظيم التعليمي فيها مرتبط بالدرجة الأولى باللغة المكتوبة وصياغتها في رموز متعارفة ومتداولة بين الناس فلا شك أن تعلّم القراءة أو الكتابة يستلزم وجود متعلمين ومعلم ووسائل ،ومن هنا ظهرت المدرة وبقيت الأمور تتطور حتى وصلت البشرية إلى التنظيم التعليمي الذي ظهرت ارهاساته الأولى في المجتمع اليوناني وظهرت معه إشكالات قديمة وحديثة مثل علاقة السلطة بالتعليم وهي العلاقة الجدلية التي كانت ولا زالت تحكم الفلسفات.
1- الفلسفات الإغريقية: ( السفسطائية) : سقراط ، أفلاطون،أرسطو
فمثلا نجد أن أفلاطون جعل من التعليم مهمة للدولة وحدها من خلال مقولته المشهورة " كل البشر لم الحق في الإنجاب ولكن ليس لهم الحق في التعليم".
في كتابه الشهير " الجمهورية" ووضع برنامجا تعليميا تكاملا ومترابطا من أجل تحقيق مدينته الفاضلة ومجتمعه المثالي إذ تعتمد فلسفته التعليمية على المبادئ التالية:
- إن التعليم هو مهمة الدولة وحدها.
- مبدأ تكافؤ الفرص : إذ يتلقى الأطفال في بداية نشأتهم برنامجا تعليما واحدا وموحد.
- مبدأ الانتقاء : ويقوم على مبدأ التنقيب على المواهب والكفاءات يوجه أصحاب المواهب الجسمانية إلى الخدمة العسكرية أو ممارسة الرياضة ويوجه أصاحب المواهب النظرية إلى ممارسة الفلسفة ومن ثم إلى تسير الدولة.
- مبدأ التوجيه: الذي يكون على أساس القدرات والمهارات وهو مبدأ مهم في النظم التعليمية الحديثة.
تعقيب: يلاحظ على هذه الفلسفة التعليمية رغم طابعهما المثالي أنها أشارات إلى مبادئ تقوم عليها المدرسة الحدية وهي:
مبدأ تكافئ الفرص الذي يضمن التعليم للجميع في مرحلة معينة من العمر ،ومبدأ الاستحقاق من خلال الانتقاء النتاج عن مختلف الامتحانات ومبدأ التوجيه وهو أن الفلسفات التعليمية الحديثة تعتبر التوجيه شرط من شروط نجاح التعليم.
2- الفلسفة التعليمة في عصر التنوير: من أهم روادها جون جاك روسو الذي اعتمد على فلسفة تعليمية تسمى بالفلسفة الطبيعية معتمدا عكس ما ذهب إليه أفلاطون أن المواهب الفرد لا تبرز ولا تنمو في المؤسسات الاجتماعية التي غالبا ما تعيق المواهب الفردية وتكتبها وتعيقهما عن البروز فإذا أردنا نموا طبيعيا وسليما لطفل فعلينا أن نتركه حرا طليقا يكشف الحقيقة وقواعد السلوك بمفرده وهو ما جسده في كتابه وقصته تحت عنوان ايمي وعلى العموم فإن هذه النظرية لها أبعاد سياسية كونهما كاتب الشرار التي أشعلت الثورة الفرنسية والتي انبثقت منها الديمقراطيات الحديثة .
3- الفلسفة التعليمية الاشتراكية والفلسفة التعليمية الرأسمالية :