ملخص حول التربية في القرن 20 وافي وكافي لعمل بحث يبقى فقط تنسيقه من خلال خطة وعناصر
أبرز ما كان في هذا القرن // اما المراجع المعتمدة فهي متوفرة في المنتدى ومن بينها عبد الله الدايم
فقط أشير أن " آ" يعني حرف الكاف من خلال النص وتبقى لك زائري الكريم الوقوف على الأخطاء الإملائية وتلخيص الموضوع دعواتكم .............
مقدمة :
يعود استعمال تعبير التربية ( 1) الحديثة إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين،
مع الإشارة إلى وجود بعض أفكارها قبل هذا التاريخ وبخاصة عند مونتاني الذي يعتبر بحق حامل
لواء التربية الفرنسية والذي آان يطلب بإلحاح الإنقاص من التوجيه الخارجي والآلي والدعوة إلى
الحرية والعقل وهو القائل:" على المربي أن يتعلّم آيف يتوارى أمام تلميذه ".
آما أن روسو وبستالوتزي هما بلا جدال من رواد علم التربية الحديثة لكنهما لم يعرفا آيف
يقدّمان قاعدة أساسية لهذه التربية الحديثة. غير أننا سنعنى عناية خاصة بولادة ما عرف باسم
التربية الحديثة وبالطرائق الحديثة التي وضعها رواد هذه التربية والتي ما تزال تشغل حتى اليوم
مكاناً في التربية.
نشير هنا إلى أن تعبير " تربية حديثة" هو تعبير نسبي، فما هو حديث في فترة يغدو قديماً
في فترة لاحقة. فالتربية الحديثة المقصودة هنا تشير إلى الإبداعات التي حصلت في النصف الأول
من القرن العشرين مع الإشارة هنا إلى ما شهده النصف الثاني من القرن العشرين من ثورة جديدة
في التربية تدعو إلى تغيير إطار المدرسة التقليدي، إطار الصف والمعلم والتلميذ، داعية إلى تعليم
يتمّ في غير هذا الإطار مستعينة بالوسائل التكنولوجية الحديثة التي تدعو إلى إدخالها في التربية
(الراديو، التلفزيون، الأفلام، آلات التسجيل وسواها من وسائل البث الجماعية) وزد على ذلك ما
نشهده اليوم من تطور في الوسائل الالكترونية (الكمبيوتر، الإنترنت والبث عبر الأقمار
الاصطناعية...) وما نسمعه عن التعليم المبرمج والتعليم عن بعد والتربية الدائمة أو المستمرة.
ومن أهمّ المبادئ التي تدين بها التربية الحديثة نذكر:
• تعليم الطفل أن يعلّم نفسه بنفسه
• تعليم الطفل أن يحلّ مشكلاته
• تعليم الطفل الفرد
• تحرير شخصية الطفل وتنمية إبداعه
وهكذا نرى أن ما آان يعرف في بداية القرن العشرين وأواسطه باسم التربية الحديثة أصبح
قديماً في عرف الثورة التربوية الجديدة.
وما يسّر ولادة "تربية حديثة" وجعلها متميزة وجديدة بالقياس إلى التربية التي سادت قبلها
والتي عرفت باسم "التربية التقليدية" مجموعة مبادئ هي على التوالي:
1 -المبدأ الأول: تقدّم التربية على التعليم:
فرغم صعوبة إقامة فواصل قاطعة بين التربية والتعليم ورغم أنّ التربية التقليدية لم تكن
غريبة عن العناية بالتربية الخلقية والفكرية والجسدية للفرد يمكن القول وبشيء من التعميم إنّ
التربية الحديثة أرادت أن تقدّم التربية على التعليم وأن تجعل لها المقام الأول.
أرادت التربية أن توجّه عناية أشمل إلى تكوين الطفل تكويناً متكاملاً متسقاً بحيث لا يغدو
أآثر علماً ومعرفة فقط بل أآثر نضجاً ونموّاً وتفتحاً وأقدر على التفكير والمحاآمة.
فالتربية الحديثة أآّدت على أهمية العناية بتربية الفكر والجسد، بالتربية الجمالية والخلقية
والمهنية.... ودعت إلى تكوين "إنسان" لا إلى تكوين مجرّد "علاّمة".
والمربي الحقيقي في هذه التربية هو الذي يساعد الطفل على أن يستخرج قواه الذاتية
وطاقاته المبدعة الخلاقة إلى أقصى مدى ممكن. فجوهر التربية الحديثة أن تكوّن الفكر وتدرّبه على
الملاحظة والتفكير وتعلّمه أن يتعلّم لا أن نزوّده بطائفة من المعلومات.
ومفهوم التربية، بعرف التربية الحديثة، يستخدم للدلالة على التربية الخلقية التي تقوم على
دعامتين أساسيتين: الثقة والحب، ثقة الكائن النامي بالمربي وبمحبته له. ولتحقيق أغراض التربية
الخلقية من الواجب أن تتكيّف هذه التربية مع اهتمامات الطفل في آل مرحلة من مراحل العمر.
وإلى ذلك لا تطمح التربية الحديثة إلى تكوين الفكر وحده أو إلى تكوين الخلق وحده بل تطمح إلى
تكوين الإنسان آله في شتى جوانب شخصيته مما يعني أنّ هدفها الأساسي أن تقدم تربية شاملة
متسقة، أن تكوّن إنساناً آاملاً، لا طرفاً من إنسان.
2 -المبدأ الثاني: استناد التربية إلى علم النفس:
ويتجلى ذلك عندما جعلت من اهتمامات الطفل وميوله محور العملية التربوية وأنّ همّها هو
تفجير هذا الاهتمام في نفس التلميذ وجعله المدخل الأساسي لتعليمه وتثقيفه وتكوينه. وقد عبّر عن
ذلك المربي السويسري " آلاباريد"، أحد روّاد التربية الحديثة، في تلك العبارة المضحكة حين قال
" إنك لا تستطيع أن تسقي حماراً لا يشعر بالعطش ". فقد آانت التربية القديمة تهتم بإعطاء التلاميذ
أآبر قدر من المعلومات وابتكرت نظام الامتحانات لتقدير آمية المعلومات التي استوعبها التلاميذ
وجعلت النظام المدرسي بحيث يهيّئ للمدرّس إعطاء التلاميذ المعلومات الكثيرة.
ولم تستطع التربية الحديثة بعد ظهور دراسات " الفرد بينيه" إلاّ أن تستفيد من نتائج هذه
الدراسات وبخاصة ما هو مرتبط بالأطفال المتأخرين والشواذ وبالتالي أن تتعاون مع منظمة
الاصطفاء والتوجيه.
وبفضل الأبحاث التي قام بها علماء النفس حول الطفل تكوّن ما يسمى علم نفس الطفل الذي
آان من أبرز رواده بياجيه (سويسري) وفالون (فرنسي) وجيزل (أميرآي) حيث أشاروا إلى أهمية
الملاحظة والتجريب ودرسوا مراحل النمو المختلفة وأبرزوا أهمّ الخصائص النفسية التي تتجلّى في
آل منها، فأسسوا بذلك تربية ملائمة للنمو النفسي للطفل متحلقة حول اهتماماته وميوله في آل
مرحلة من مراحل النموّ هذه.
-المبدأ الثالث: الطفل محور التربية:
أآّدت التربية الحديثة على أن يكون الطفل المحور الحقيقي والمرآز الفعلي للعملية التربوية
انطلاقاً من قابلياته وميوله واهتماماته ومقوّماته الشخصية خلافاً لما آانت عليه التربية التقليدية التي
آانت تجعل مرآز الثقل خارج الطفل: في مناهج التعليم وفي المعلّم وفي النظام المدرسي وفي أي
عنصر من عناصر العملية التعليمية ما عدا الطفل نفسه. مما جعل المدرسة التقليدية بما ترسمه من
مناهج وما تفرضه من نظام وما تعقده من امتحانات الغاية من العملية التربوية بدلاَ من الغاية
الأصلية والحقيقية التي هي تكوين شخصية الطفل وتفتحها. وهذا ما نادى به " آلاباريد" حين طلب
"أن نجعل الطرائق والمناهج تدور حول الطفل بدلاً من أن نجعل الطفل يدور حول مناهج سنّت في
معزل عنه ". وهذا ما أآّده أيضاً المربي الأميرآي " ديوي" في آتابه " المدرسة والمجتمع حيث
قال: "إنّ المدرسة التقليدية هي تلك التي يقع مرآز ثقلها خارج الطفل: إنه في المعلم أو الكتاب أو
في أي مكان شئت، عدا الغرائز المباشرة للطفل نفسه وعدا نشاطاته الذاتية ". ولهذا يوضح ديوي
موقف التربية الحديثة بقوله " علينا أن ننطلق من الطفل وأن نتخذه هادياً ومرشداً، فالطفل هو
المنطلق وهو المحور وهو الغاية"، وبجعل شعارها:" التربية لأجل الطفل ومن الطفل ".
وهكذا تكون الطفولة غاية في ذاتها ولهذا يطرح آلاباريد في خاتمة آتابه "التربية
الوظيفية" السؤال الكبير:" هل التربية حياة أو إعداد للحياة " ؟ ويجيب مؤيداً "ديوي" وسواه من
الكتاب الأميرآيين:" إنّ التربية هي الحياة وليست إعداداً للحياة ". ويضيف " ليس هدف التربية
المباشر الإعداد لحياة عصر مقبل، وإنما هدفها العكس تماماً. إنّ هدفها أن تفتح الحياة الحاضرة وأن
تجعلها أملأ وأقوى، وأغنى وأخصب ".
ولما آانت للطفولة غايتها الخاصة بها، وجب أن يتاح للطفل أن يبحث عن تحقيق غاياته
الخاصة وأن يجد في هذا التحقيق السعادة الوحيدة التي يستطيع الشعور بها. فالتربية التقليدية تُكره
الطفل على تبني غايات آبائه ومعلميه وتلجأ معه إلى العقاب وإلى شتى الأساليب التي تؤمّن تحقيق
غايات المدرسة.
وأهم ما تمتاز به المدارس الحديثة أنها تدعو نفسها بالمدارس الفعّالة حيث تيسّر للطفل
مجال الفعالية الذاتية ومجال الانطلاق لوظائفه جميعها، الجسدية منها والفكرية. بينما المدرسة
التقليدية تجعل من الطفل مجرّد مستمع للدروس، يتلقاها دون أي مشارآة فعلية. فالمدرسة الحديثة
الفعّالة تشتمل على حظ آبير من العمل والتطبيق لأن العمل المدرسي لا يقوم على أساس خزن
المعلومات واستظهار النصوص بل على اآتساب الخبرة عن طريق القيام بأعمال شخصية.
فشعارها هو شعار " ديوي " الشهير " التعلّم عن طريق العمل ".__
وبما أنّ المدرسة الحديثة تعنى بالتكيف مع حاجات الطفل ولا تطلب إليه من الأعمال
والتمرينات إلاّ ما يتوافق على ميوله واستعداداته ورغباته فهي تعتمد إذن التربية الوظيفية القائمة
على أساس الحاجة، الحاجة إلى المعرفة، الحاجة إلى البحث، الحاجة إلى العمل...
لقد آانت التربية التقليدية تحدّد سلفاً ما ينبغي أن يتعلّمه الطفل والعادات التي عليه أن
يكتسبها ثم تفرض عليه التمرينات التي من شأنها أن توصله في زعمها إلى النتيجة المرجوّة
واللجوء إلى نظام الثواب والعقاب. أما التربية الحديثة فتمتنع عن أن تفرض أي شيء وعلى الطفل
فيها أن يُقبل من تلقاء نفسه على الفعاليات التي تكوّنه والتي تعدّه للحياة. فالمحرّك الأساسي للفعالية
الإنسانية هو الاهتمام والميل، ولا يصل إلى ذهن الإنسان شي لا يلبي حاجة لديه ودافعاً عنده.
ثم إنّ مناهج الدراسة في المدرسة الحديثة لا تتصف بالصراحة التي تعرفها في المدارس
التقليدية. ففيها مجال واسع للاختبار الشخصي والعمل الحر والتلميذ يختار الجوانب التي تلائمه
وينظّم عمله وفق مزاجه ويتخيّر الفريق الذي ينسجم وإياه. إنها تلجأ إلى ما يعرف باسم " تفريد
العلم" أي جعل التعليم فردياً موجّهاً إلى آل طالب على حدة وفق ميوله وإمكاناته. فتلجأ إلى وسائل
التعبير الحر من رسم وتمثيل ورقص ولعب ونتخذها منطلقاً لتربية الطفل بل للكشف عن قابلياته
واهتماماته ودوافعه الشعورية واللاشعورية أيضاً.
ليس من شك في أنّ الحاجة إلى اللعب هي التي تسمح لنا، بحسب آلاباريد، بأن نوفّق بين
المدرسة والحياة. فمهما يكن العمل الذي تطلبونه إلى الطفل، يستطيع هذا الطفل أن يطلق حياله
آنوز قدرته ودفين نشاطه إذا انتم وحّدتم السبيل إلى أن تبسّطوه أمامه وآأنه ضرب من اللعب ".
وهنا يكمن سرّ التربية الحديثة، آما يقول آلاباريد، " إن المدرسة وعلم النفس التجريبي ينبغي أن
يحيلا الغايات الآجلة التي تتوخاها المناهج إلى اهتمامات حاضرة عاجلة ".
-المبدأ الرابع: الاستغلال:
بما أنّ اللعب يعتبر من رآائز التربية الحديثة، وبما أنّ اللعب لا يكون بدون استقلال، لهذا
آانت فكرة "الفعالية" في اصطلاح "المدرسة الفعّالة" تتضمّن فكرة الاستقلال وتختلط بها.
والاستقلال لا يعني الفوضى. والشخص المستقلّ بنظر التربية الحديثة ليس الذي يرفض الخضوع
للقواعد والقوانين بل هو الذي يصنع قانونه بنفسه ولا يخضع لقانون غيره. إنه أشدّ استمساآاً
بالقانون والنظام لأنه يؤمن بهما إيماناً ذاتياً ولا يفرضان عليه فرضاً. فالحرية هي الخضوع للقانون
والطفل الذي يفعل ما يروق له ليس بالطفل الحر. فإدخال الاستقلال إلى المدرسة، يقول " فريير"،
"يحرّر الطالب من وصاية الراشد الشخصية... ولكن ليضعه تحت وصاية ضميره الخلقي
الشخص". إنّ تطبيق الاستقلال، برأي فولكييه، يفرض على المرء أن يتوقّف ليفكّر ويقدّر المستقبل
في ضوء الماضي وليتدبّر ويناقش الحلول المختلفة للمشكلات العملية التي تطرح.
نشير هنا إلى أنّ آلمة " القيادة الذاتية " التي تستخدم غالباً بدلاً من آلمة الاستقلال تستلزم
السيطرة على الذات أي التغلّب على النزعات الغريزية وغير المعقولة. ولهذا يقول فريير "ينبغي
ألاّ نمنح حظاً من الاستقلال إلى جماعة من الأطفال أو المراهقين أياَ آانت سنهم ما لم يكونوا قد
أثبتوا أنهم جديرون به ". فعندما يبدأ الطفل بإبداء قدرته على ممارسة الاستقلال تترك له حرية
اختيار نشاطه وفعاليته وتنظيمها ضمن إطار معين على أقلّ تقدير. ويضاف إلى هذا آله أن ليس
ثمة من إعداد للاستقلال الحقيقي أفضل من ممارسة الاستقلال. وهنا يقول أنصار التربية الحديثة:
إنّ النظام القائم على السلطة قد يروّض ولكنه لا يهذّب ولا يربّي... وعلى المرء أن يختار قواعد
سلوآه بإرادته احتراماً منه لها وحبّاً بها.
ولما آان الطفل في المدرسة يعيش مع جماعة من أترابه يصبح من الواجب أن تمنح هذه
الجماعة الاستقلال آما تمنح للفرد. مع التأآيد على أن تعبير الاستقلال نفسه يوحي آما تعبير
القانون، المعنى الجماعي لأنهما يعتبران وقائع اجتماعية. ولهذا ترى التربية الحديثة أن من اللازم
في بلد ديمقراطي أن ينشأ الطفل ضمن جو موافق لمبادئ الديمقراطية وأن يتمرّس بأساليب
المؤسسات الجمهورية ضمن منظمات تناسب سنة آأن يعيش مثلاً في حياة جمعية، من مثل
المخيمات الصيفية أو الحياة الداخلية في المدرسة، بشكل يتاح له المساهمة في تنظيم وجود الجماعة
حتى يعيش الاستقلال وتنمية هذا الاستقلال.__
-المبدأ الخامس: توفير بيئة طبيعية:
إيمان التربية الحديثة بالاستقلال يعبّر عن إيمانها بأنّ الطبيعة خيّرة. ولهذا نجد بين
الخصائص الأساسية للمدرسة الحديثة أنها " مدرسة داخلية أسرية تقع في الريف"، وفي منطقة
بديعة أن أمكن أو على أقلّ تقدير وسط حديقة فسيحة بحيث يفيد الأطفال من صور الحياة الريفية.
وآثيراً ما تملك المدرسة الحديثة أراضٍ للزراعة ليس لغاية الكسب والارتزاق بمقدار ما هي غاية
تربوية (الاتصال بالأرض، ملاحظة الفلاحين، العمل اليدوي في الحقل...) الأمر الذي يجعله
يتعرّف على الحياة آما هي في الواقع. وبالتالي يكون ربط للمدرسة بالحياة. مع الإشارة هنا إلى
ضرورة أن تتوافر في الحياة الداخلية الأسرية سمات التربية الحديثة حتى تخلق الأجواء السليمة
للنمو. وإلى ذلك يشترط في المدارس الداخلية أن تكون مدارس داخلية صغيرة يعرف فيها المدير
طلابه الداخليين معرفة حميمة وتتألف من بيوتات أو أجنحة يرأس آل واحد منها أستاذ مع زوجته
وأولاده يستقبل فيها تحت سقف بيته وعلى مائدته عدداً من الأطفال من أعمار مختلفة آأنهم ضيوف
عنده ويجعل الكبار فيها يسهرون على رعاية الصغار آأنهم أخوة لهم.
6 -المبدأ السادس: تربية فردية وسط روح جماعية:
لئن آان مربو المدرسة الحديثة على شيء من الخلاف فيما يتصل بمسألة الجنسين فهم
يؤآدون جميعهم فائدة الحياة الجماعية وأهميتها. ولهذا تتضمّن التربية الحديثة مطلبين: من جهة إنّ
التربية ينبغي أن تكون فردية وأن تتيح لكل فرد أن يحقّق آامل إمكانياته التي تميزه عن سواه. ومن
جهة ثانية إنّ من واجب التربية أن تعدّ مواطن الغد وأن تقرّبه من المجتمع الذي عليه أن يدخله.
فمن حيث التربية الفردية أو تفريد التعليم يمكن القول أن المدرسة التقليدية لا تهتم بذلك،
فهي لا تهتم بكل طالب على حده ولا تهتم بسيرته الماضية وتطلعاته المقبلة بل تفرض على الطلاب
جميعاً منهاجاً واحداً، وإنفاذ مهمات وأعمال واحدة وحضور قدر واحد من الدروس. فهي تطلب إلى
أضعفهم الجهد الذي تطلبه من أقواهم أو بالعكس فهي تطلب إلى أقواهم الجهد الذي يقوى عليه
أدناهم فينشأ لدى الضعيف اليأس وروح الإنكسار والعجز أو من جهة ثانية تخلق لدى الأقوى روح
الملل حين لا يستثمر آامل إمكاناته وحين تجعله يراوح في مكانه. وفي هذا يقول آلاباريد ساخراً:
إننا لا نعنى بنفوس الطلاب عنايتنا بأحذيتهم. لأن الأحذية التي تختارها لهم تكون من قياسات
وأشكال مختلفة وعلى قد أقدامهم. فمتى
هذه المدرسة المفصّلة على قدّ الطلاب تحاول المدرسة الحديثة أن تحققها جاهدة أن تجعل
التعليم موجهاً إلى آل فرد مفصّلاً على قد آل طالب على حدة.
إلى جانب هذه الفردية أو هذا التفريد في المدرسة الحديثة فهي تحاول أن تجتنب الروح
الفردية الأنانية (السائدة في المدرسة التقليدية التي تعتمد مبدأ المنافسة الذي ينمّي الفردية الأنانية)
وترآّز على الروح الجماعية من خلال إعداد الطلاب للحياة الاجتماعية وعلى أن تخلق لديهم روح
العمل الجماعي المشترك من خلال العمل ضمن المجموعات أو الفرق أو من خلال إنشاء
التعاونيات المدرسية أو المطبعة المدرسية وسواها من وسائل العمل الجماعي المشترك.
7 -المبدأ السابع: جوّ من التفاؤل والثقة:
يتوّج آل هذه المبادئ جوّ التفاؤل والثقة، التفاؤل بأثر التربية ودورها والثقة بالإنسان
وقدرته على النموّ والتفتّح والاآتمال. ولهذا فإن التربية الحديثة تؤمن بأنّ الطبيعة خيّرة، وترى على
أقلّ تقدير أنّ الطفل يولد والنزعات الشريرة لديه يمكن أن تنقيها وتغالبها نزعاته الخيّرة. وإذا
أصبح الطفل خبيثاً أو شريراً فالمسؤول عن ذلك ظروف لا علاقة للطفل بها أي بمعنى أنّ المجتمع
هو الذي يفسد الفطرة الخيّرة الموجودة في طبيعة الفرد.
وهكذا تتفرغ المدرسة الحديثة إلى أن تقيم جواً من الثقة والسعادة: الثقة المتبادلة بين
المعلمين والطلاب والثقة المتبادلة بين الطلاب أنفسهم. وبهذا آله تحاول هذه المدرسة أن تجعل
الطالب سعيداً وعلينا أن نساعد أطفالنا على بلوغ هذه الغاية.
باختصار نستطيع تلخيص أهمّ الأسس التي تقوم عليه التربية الحديثة بما يلي:
• مراعاة الفروق الفردية
• دراسة نفسية الطفل
• النشاط الذاتي
• الحرية والمسؤولية
• ربط المدرسة بالحياة الاجتماعية
وأمام هذه الجرأة التربوية التي تجلّت في العقود الأولى من القرن العشرين سُجّل اآتشاف
حقيقي يوم أُعلن عن اشتراك التلميذ الفعلي في عملية إصلاحه. وسُجّل أيضاً أنّ الإصلاح التربوي
لم يعد أبداًَ مسألة منهج بل مسألة طرق وأساليب قبل آل شيء. ولهذا نسمع بطريقة مونتسري
وآوزيننيه أو وينيتيكا آما نرى ما يسمّى بأسلوب دالتون أو دوآرولي. غير أنّ مونتسري
ودوآرولي يعتبران رائدين أساسيين في هذه الثورة التربوية. فيعبران في مذهبهما على أهمية مزايا
الملاحظة الدقيقة في تكوين الفرد. وترتكز تربيتهما على دراسة الطفل دراسة تهدف في آل مرحلة
من مراحل العمر إلى إشباع حاجاته آما أنّ محاولاتهما التربوية ترآّزت بكل ثقلها على احترام
الرغبة في معرفة الطفل والإحاطة به في آل مظاهر شخصيته، وعلى بذل الجهد لإقامة فنّ تربوي
يأخذ في الاعتبار الفوارق الشخصية.
طريقة مونتسوري
ولدت المربية الإيطالية "ماريا مونتسوري ( 1)" عام 1870 في مدينة "شيرفال" بالقرب من
روما وآانت أوّل إيطالية تعلمت الطب ونالت شهادته وقد أتاحت لها دراستها الطبية والنفسية
والوظائف الأولى التي شغلتها أن تملك الأساس العلمي والعملي لولادة طريقتها التي عرفت باسمها.
تأثرت بدراسات الطبيبين "ايتار" و"سيغان" اللذين اهتما واشتغلا مع الأطفال غير الأسوياء.
آلّفت في العام 1897 بإدارة قسم الأطفال ضعاف العقول في مستوصف روما النفساني. وبعد عامين
أصبحت مديرة مدرسة حكومية تعنى بإعداد معلمين لضمان العقول وترتبط بهذه المدرسة مؤسسة
مدرسية للأطفال غير الأسوياء فحققت نجاحاً باهراً في هذا المجال.
في العام 1906 خطر على بال مدير مؤسسة للبناء أن يضيف على دور السكن الكبيرة التي
آان يبنيها آمساآن شعبية بهوا واسعاً يجتمع فيه أطفال الدار تحت إشراف إحدى المربيات.
وطلب التعاون مع "مونتسوري، فقبلت الدعوة بحماسة، وهكذا ولدت بيوت الأطفال الأولى بين
عامي 1907 و 1908 . وآان هدفها أن لا تجعل منها مدارس بالمعنى المألوف إنما تجعل منها
"بيوتاً" أشبه ببيوت أي أسرة. وهكذا انتشرت طريقة مونتسوري في سويسرا الإيطالية بحيث تحوّلت
حدائق الأطفال الفروبليه (نسبة إلى فروبل) إلى بيوت للأطفال.
والحقيقة أنّ ما أتت به مونتسوري هو مبدأ حي ينبغي أن يعاش ويترجم إلى عمل وجوهر
هذا المبدأ الأساسي:" ينبغي أن تتوافر في بيئة الطفل وسائل التربية الذاتية وأن تكون هذه الوسائل
شيّقة قادرة على إثارة اهتمام الطفل". وهكذا نجد "بيوت الأطفال" بيوتاً تلائم حاجات الأطفال
الصغار وتستجيب لاهتماماتهم. المقاعد الفردية الصغيرة موزّعة بشكل تتيح للطفل التحرك والانتقال
بحرية ليرى عمل جاره أو ليسأل معلمته.
وقوام التربية المونتسورية أن تضع تحت تصرّف الأطفال أدوات تربوية تثير فيهم فعالية
مهذبة مربية وتقول في آتابها " التربية العملية ": "ينبغي أن يجد الطفل في الجو المتروك فيه حراً
لفعاليته، أشياء تنظّم تلك الفعالية تنظيماً ذا صلة مباشرة بتنظيمه الباطني الذي ينمو وفق قوانينه
الطبيعية ".
صحيح أنّ الطفل يتمتع في المدرسة المونتسوريه بقدر آبير من الحرية ولا يفرض عليه أي
عمل لا يهتم به. فهو لا يترك وحده إلاّ في الظاهر لأن الأدوات التربوية التي بين يديه توجه اهتمامه
نحو الطريق الأفضل الذي رُسم لإعداده الفكري.
ولقد أدرآت مونتسوري الدور الكبير الذي تلعبه دراسة الطفل في التربية. فالتجربة تبيّن
مدى الفوارق القائمة بين طفل وآخر سواء في صحة الجسد أو الذآاء أو الميول أو سوى ذلك. آما
آمنت باحترام حرية الطفل وجعلت مدرستها أشبه بجمهورية مصغّرة يفعل فيها آل فرد ما يشاء
مدرآاً في الوقت نفسه مسؤوليته. فليس هناك ما يقيّد حرآته لأن القاعة مزوّدة بمقاعد صغيرة،
آراسي صغيرة، جدران مزدانة، خزائن صغيرة، أماآن للاغتسال، مغاسل منخفضة... وتضمّ
المدرسة إذا أمكن حديقة فيها أزهار وبيوت لبعض الحيوانات الأليفة.
اقتبست ماريا مونتسوري أدواتها التثقيفية بعد تحسينها وتعديلها لتتماشى مع الأطفال الأسوياء من
الطبيبين "ايثار" و "سيغان" وترمي هذه الأدوات التنفيذية إلى إنماء الحواس والتدرّب على القراءة
والكتابة والحساب، والطفل هنا يهتم بالمهمات المطروحة أمامه، آما يهتم باللعب ويتعلّم وآأنه يلعب.
ومشكلة النظام في " بيوتات الأطفال" تحلّ عن طريق الحرية نفسها. فكلّ طفل يفرض
النظام على نفسه بنفسه بفضل اهتمامه بما يفعله ومحبته له.
وتوجّه المدرسة المونتسورية غايتها الكبرى إلى تعويد الطفل على تنسيق حرآاته وضبطها
والسيطرة على الذات ومن ثمّ تحقيق ما يرغب. وفي هذه المدرسة يتعوّد الطفل الاستقلال والاستغناء
عن سواه:
• يتدرّب ويتعلّم أن يلبس ثيابه أو ينزعها
• أن يغسل يديه ووجهه
• أن يرتّب خزانته
• وأن ينفض الغبار عن الأثاث..
• لا يُسأل الأطفال عن هندامهم ونظافتهم فحسب بل يسألون عن نظافة البيت وترتيبه
ومن المبادئ الأساسية في مدرسة مونتسوري تربية الحواس التي تهدف إلى التربية الفكرية
وتنمية الذآاء عن طريق أدوات هادفة نضعها بين أيدي الأطفال.
حاسة اللمس
وتتم تربية حاسة اللمس في البداية بتنمية مهارة اليدين. بإعطاء الطفل مجموعة من الأزرار
أو فتحات الأزرار أو من "السحابات" أو ربطات الأحذية... يتدرّب بواسطتها أن يقوم بسرعة
بمختلف الأعمال المتصلة بثيابه وأحذيته. آما يتعلّم التمييز بين الأشياء الناعمة والخشنة والتفريق بين
أنواع الأقمشة..
حاسة النظر
وتبدأ تربية النظر بلمس الأشياء من بعد ثم يلي ذلك التدرّب على إدراك الألوان وعلى الطفل
أن يسمّي هذه الألوان بأسمائها ثم تفرض عليه ألواناً أخرى تؤلف " مدروجة " من الألوان عليه أن
يصنفها تصنيفاً تصاعدياً أو تنازلياً.
حاسة السمع
أما تربية السمع فتتم خاصة عن طريق تقدير الضجيج الذي يمثله الطبل والأصوات التي
يمثلها الجرس وهذه التربية هي أساس التربية الموسيقية
حاستي الذوق والشم
ومن أجل تربية الذوق والشم فتكتفي مونتسوري بتمرينات بسيطة تستخدم فيها مواد متباينة
على الطفل أحياناً أن يقدّرها وعيناه معصوبتان.
تمرينات العضلات
وتلجأ مونتسوري أيضاً إلى تمرينات تستهدف السيطرة على العضلات وترآيز الفكر
وتهذيب الإرادة والانتباه. ومن أشهرها لعبة " السير على الخط ".
إنّ تربية الحواس بالشكل الذي أرادته مونتسوري هي خير ما يعدّ الطفل لاآتساب المعارف
وللقيام بالعمليات الفكرية. وهي ترتب المعارف ترتيباً عقلانياً بدءاً من الرسم فالكتابة والقراءة ثم
تتلوها تمرينات في الحساب والنحو.
والأجهزة التي تستخدمها مونتسوري ليس فيها من السحر شيء لكن المهم هو أن يعرف
المربي آيف يستخدمها. وحسن استخدامها تحكمه أولاً وآخراً الملاحظة الموضوعية والدقيقة لكل
طفل يعالجها.
فالأجهزة والأدوات تثير اهتمام الطفل وتولّد لديه، وهو يلعب بها، شعوراً باللذة والمتعة مما
يجعله يتغلّب على آراهيته الطبيعية للجهد المبذول.
في الختام يمكن القول أنّ تربية مونتسوري اجتاحت العالم ويكفي للتأآد من ذلك العديد من
المدارس المونتسورية منتشرة في أرجاء العالم وأن نرى ضروب الأدوات البسيطة الموضوعة لسن
الطفولة والشائعة في معظم رياض الأطفال.
ومع ذلك فهذه التربية لم تسلم من النقد. فقد أخذ عليها أنها تلجأ إلى علم نفس تجاوزه علم
النفس الحديث. أنها تلجأ إلى علم نفس معني بدراسة الإحساسات أآثر من عنايته بدراسة الذآاء
الحسي الحرآي الكامل. آذلك أخذ عليها أنها تلجأ مع الطفل إلى أدوات مادية جامدة ثابتة محددة سلفاً
وبذلك تقلّل في الواقع من نشاط الطفل الحر وتردّه إلى ضرب من نصف العفوية. فاللعب الحر يظل
فعاليه من فعاليات الصغار، والأدوات المادية تمنع الفعالية المتجددة المتكيفة باستمرار بما فيها من
بناء عفوي وخلق حقيقي.
وترى عدد من المدارس أن ابتكار الأدوات من قبل الطفل نفسه، بحيث تتجدد دوماً، هو
.( الطريقة الحقيقية لتمرين فعاليته ( 1
ويرى بعض المربين في تربية مونتسوري تقديم تربية " ميكانيكية" تستهدف " التعجيل"
المفرط في نمو الطفل قبل الأوان عن طريق "إغراقه" بشتى أنواع الأدوات التربوية والتعليمية.
طريقة دوآرولي ومراآز الاهتمام
ولد " اوفيد دوآرولي ( 2)" في رينكس (بلجيكا) في 23 تموز عام 1871 وتخصّص بعد
دراسة الطب بالجملة العصبية والأمراض النفسية وأتمّ تعليمه في برلين وباريس. في عام 1901
أسس " معهد التعليم الخاص بالمتأخرين ".
وفي عام 1907 أنشأ " مدرسة الحياة من أجل الحياة " وهي مدرسة للأسوياء. وقد أسسها
في شارع " ارمتاج " في إآسل بالقرب من بروآسل واشتهرت فيما بعد باسم " مدرسة الارمتاج ".
وفي عام 1912 أصبح مديراً " لقسم علم النفس والتوجيه المهني ".
ثم في عام 1914 أسّس بمعونة جماعة من المربين والمحسنين، داراً لمساعدة يتامى الحرب سميت
"بيت اليتامى " وعين رئيساً لها.
في عام 1920 أصبح أستاذاً لعلم نفس الطفل في جامعة بروآسل ثم آلّف عام 1921 في آلية الطب
بتدريس علم الصحة المدرسية لطلبة الدآتوراه.
وفي عام 1927 أسس " رابطة المدرسة الحديثة" وهي رابطة قامت داخل مدرسة الارمتاج. وتعتبر
مدرسة الارمتاج من أبرز أعماله لأن فيها تمّت تجربته التربوية وتفتقت طريقته الجديدة.
مات دوآرولي قبل السيدة مونتسوري. غير أن ثمة تشابهاً غريباً بين حياة هذين المربيين
الكبيرين اللذين اشتهرا في مطلع القرن العشرين. فكل منهما بدأ بدراسة الطب وعنى بضع سنين
بالأطفال المتخلفين وطبّق تجاربه الناجمة في هذا المجال على تربية الأطفال الأسوياء. ومبادئهما
التربوية متشابهة إلى حد آبير، فقوام هذه المبادئ لدى آليهما مبدءان أساسيان: الاهتمام والتربية
الذاتية.
وعلى العموم نستطيع القول أن "دوآرولي" يهدف إلى إعداد الطفل للحياة بالحياة نفسها،
وإلى تنظيم بيئة يجد فيها هذا الطفل الحوافز الملائمة لميوله واهتماماته الطبيعية. وقد صاغ
الخصائص المميزة لمدرسته في محاضرة ألقاها عام 1921 في مؤتمر التربية الحديثة آما يلي:
1. يجب أن تنشأ مدرسة الثقافة العامة حتى سن الخامسة عشرة في جوّ طبيعي (الاتصال
بظواهر الطبيعة ومظاهر الحياة للكائنات الحية عامة وللإنسان خاصة).
2. يجب أن تعدّ دور التعليم وتؤثّث بحيث تكون مصانع صغيرة أو مختبرات لا فصولاً من
الطراز المستمع.
3. يحسن أن تكون مجموعات الأطفال متجانسة ما أمكن. والأفضل ألاّ يتجاوز عدد تلاميذ
الصف الواحد عشرين إلى خمسة وعشرين.
4. الدروس العملية في المحادثة والكتابة والقراءة والإملاء والحساب يفضّل أن تكون في
الصباح وتعطى في صورة ألعاب. وعندما لا توجد دروس عملية تخصص ساعات الصباح
لتمرينات مختلفة آالملاحظة والموازنة والترابط والرسم والأشغال اليدوية والموسيقى
وألعاب الرياضة ويتم اختيار هذه التمرينات في إطار برنامج مترابط الأجزاء.
5. يخصّص بعد الظهر، ما عدا الإجازات، للأعمال اليدوية أو دروس اللغات الأجنبية.
6. تستخدم بعض الأيام في الصباح للرحلات والزيارات.
7. يأخذ أولياء الأمور علماً بالطريقة المتبعة في المدرسة آي يسهموا في نجاحها ويشارآوا في
إدارتها بواسطة مجلس للآباء.
8. لتنمية روح المبادرة والثقة والتضامن يلجأ التلاميذ إلى الحوار المتبادل فيما بينهم،
ويختارون الموضوعات بأنفسهم ويعرضونها على المعلّم للموافقة عليها.
وبخصوص منهاج الدراسة فإن دوآرولي يوجّه انتقادات عديدة إلى مناهج المدارس الرسمية
المألوفة لأنها لا تقيم وزناً آافياً لنشاطات الطفل واهتماماته وآثير من المواد فيها تتجاوز طاقات
الطفل وقدرته على الهضم والتذآر، والتمرينات فيها لا تيسّر انطلاق فعاليته الذاتية والعفوية. أما
المنهاج الذي اتبعه فيأخذ في الاعتبار اهتمامات الطفل الطبيعية التي تنحصر في الحاجة إلى الغذاء،
الحماية ضد تقلبات الجو، الدفاع ضد الأعداء والعمل بجد ونشاط وإلى الراحة وأخيراً إلى التسلية.
ويختار دوآرولي موضوعاً واحداً آل عام، من بين الموضوعات المرتبطة بالحاجات الأساسية،
ويجعل هذا الموضوع المحور الذي تتحلّق حوله سائر الموضوعات الثانوية ويعرف هذا الموضوع__
الأساسي باسم " مرآز الاهتمام" ويتم الانتقال عن طريق التداعي إلى أبحاث ودراسات أوسع
مرتبطة بالموضوع. وتقسم خطة الدراسة إلى تحلّق حول "مرآز الاهتمام" على أشهر السنة وأيامها.
والنظام عند دوآرولي يضمّ ثلاث مجموعات من النشاطات:
1 -نشاط الملاحظة:
وهدفها تنمية روح الملاحظة عند الطلاب. ولهذه الغاية يقومون باختيار الأشياء ومعالجتها
بأيديهم (يجمعون، يصنّفون، يزورون، يتنزّهون...) ويقول دوآرولي " يوجد الصف في آل مكان،
في المطبخ والحديقة والحقل والمزرعة والورشة وفي المعارض والرحلات وفي الأسفار البعيدة.
وعلى الأستاذ ألاّ يُكثر من الكلام، لأن الحكمة تكمن في الأفعال لا في آثرة الأقوال...". والغرض من
دروس الملاحظة آما تلخّصها " هاماييد ":
-تعويد الطفل على أن يشعر بالظواهر من خلال بحث أسبابها وتسجيل نتائجها.
-إعطاء الطفل بطريقة محسوسة الأفكار المعقّدة المتصلة بالحياة.
-دراسة الطفل لمظاهر الحياة في الكائنات النموذجية واستخلاص المعاني التطورية العامة عنها سواء
بالنسبة إلى النبات أو الحيوان أو الإنسان نفسه.
وتقسم نشاطات الملاحظة إلى " الملاحظة العارضة " المستمّدة من الحوادث الطارئة التي
تقع خلال العام. و"الملاحظة الحقّة " وهي الأهم والأجدر ومستمدّة من مرآز الاهتمام وتستخدم فيها
الحواس على أوسع نطاق ممكن.
2 -نشاطات الترابط:
تهدف هذه النشاطات إلى تكوين الحكم والمحاآمة والتفكير المنطقي لدى الطفل وتوسيع
خبرته وتجميع مواد يمكن استخدامها في التعليم. ويتم ذلك بأن نصل بالطفل إلى ربط المعلومات التي
اآتسبها عن طريق الملاحظة مع المعلومات السابقة التي يتذآرها أو التي يجمعها عرضاً. أي بعد
الملاحظة يأتي دور القياس والتقرير.
وتيسّر نشاطات الترابط أن يدرك الطفل آثيراً من العلائق بين الظواهر والوقائع، والصلات
بين الأسباب والنتائج. وعندما تتبلور الفكرة بالملاحظة والتقرير تبدأ بالتوسّع وهذه العملية يسميها
دوآرولي بمرحلة المشارآة.
3 -نشاطات التعبير:
أي التعبير عمّا حصلنا عليه من معارف وعلوم تعبيراً يفهمه الآخرون وذلك بالكتابة أو
الرسم أو الأشغال اليدوية أو سواها بواسطة اللغة أو الصور أو غير ذلك. بعض أنماط التعبير تكون
محسوسة مشخّصة تتمّ عن طريق صنع نماذج حسية أو صنع بعض الأشياء. وبعضها الآخر مجرّدة
آالقراءة والمحادثة والكتابة. وتحتلّ الأشغال اليدوية مكانة رئيسية بين نشاطات التعبير هذه.
العمل في فرائق
ويعتمد دوآرولي في مدرسته " العمل في فرائق أي العمل ضمن مجموعات بحيث يجتمع الطلاب
في مجموعات فيعيدون بأنفسهم مناهجهم ويحددون الأبحاث التي سيقومون بها والأعمال التي
سينفذونها ويوزعون المهمات فيما بينهم. ويشتمل عمل آل عضو في الفريق على طائفة من البطاقات
تمثل صعوبات المشكلة التي ينبغي حلّها. ويقوم الطالب بمعالجة هذه الصعوبات واحدة تلو الأخرى.
الألعاب
ويسمح نظام دوآرولي بوضع العديد من الألعاب التربوية التي تدفع الطفل إلى النشاط وتهيّئ له
فرصة العمل الشخصي وتشبع رغبته الفطرية. وهذا ما يمنع الطفل من الشعور بالعناء والتعب لأن
نشاطه الحر هذا يستند إلى ميوله الطبيعية واهتماماته الفطرية. لكنه لا يترك لنزواته وأهوائه بل
يطلب منه أن يتدرّب على العمل الشخصي وأن ينمّي فعاليته العفوية ويتعلّم آيف يلاحق هدفاً اختاره
بملء حرّيته. ومهمة المعلم أن يوجه وينصح ويعنى بأصحاب الطباع القلقة أو الشريرة.
القراءة
اشتهر دوآرولي بأنه أبو الطريقة الحديثة في القراءة التي تعرف باسم الطريقة الجمْلية أو (الكلّية)
وهي الطريقة التي تخالف طريقة القراءة القديمة التي تبدأ بالحروف لتؤلّف منها المقاطع ثم تؤلّف من
هذه المقاطع آلمات وأخيراً ترآّب هذه الكلمات في جمل.وهذه الطريقة تستند إلى النظرية المعروفة
في علم النفس الحديث التي تقرّر أننا ندرك الكليات قبل الجزئيات وقد أوضح هذه النظرية أصحاب
مدرسة الصيغة أو الشكل أو المدرسة الجشطالتية.
الشروط الأساسية في تطبيق تلك الطريقة
المطّلع على طريقة دوآرولي لا يغيب عنه أن يعرف عدّة شروط أساسية في تطبيق تلك الطريقة
وهي:
• الشروط المادية في الإصلاح
• الأساليب النشيطة وهي وحدها قادرة على إرجاع إمكانية الفردية في التعليم والمشارآة في
آن واحد بين التلاميذ
• العلاقات الجديدة بين الراشد والطفل أي بين المعلم والتلميذ
وعن طريقة دوآرولي يقول المربي السويسري آلاباريد " يرغب دوآرولي، آما نرغب جميعاً في
تقريب المدرسة من الحياة وفي تعليم الطفل عن طريق العمل. ولكي ندفع الطفل إلى العمل يجب أن
نهيئ له الرغبة في العمل. ويتوقف جزء من هذه الرغبة على الاستعدادات الشخصية لكل تلميذ، آما
يتوقّف على الحاجة العامة المميزة لحال الطفولة وهي الحاجة إلى اللعب.. ".
تجدر الإشارة إلى أنّ الطريقة الدوآرولية بما تعطي من مكان بارز في إغراء الجو المدرسي
ومراعاة ظروف التلميذ الحالية، إلى جانب الجهد في عملية التجديد الملقاة على عاتق المربين،
وبدراسة آل حالة نفسية أو اجتماعية، تبقى في نفس الوقت فنّاً تربوياً سهلاً مفتوح النوافذ نحو
التطوّر.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن طريقة دوآرولي طوّرت ودمجت مع طرائق أخرى وليست
أشكالاً مختلفة في ضوء التجارب التربوية المحدثة. آما نذآر الاهتمام الذي توليه الاتجاهات الحديثة
اليوم للعمل الجمعي ولتنظيم الطلاب عملهم ونشاطهم بأنفسهم.
مات دوآرولي عام 1932 وعندما توفي عثروا فوق مكتبه على ورقة آتبت بخط يده تضمّ
بين سطورها فكرة ما ولم يكملها بعد، ومما جاء فيها قوله:" إنه لعزاء آبير لمن سار وراء غايته
طيلة ربع قرن من الزمن ويشعر بعد هذا بأن ساعة الرحيل والراحة الأبدية هي قاب قوسين أو أدنى
ثم يرى بأن جهوده لم تذهب أدراج الرياح، وحتى لو لم يتوصل إلى شيء فهو مطمئن بأن هناك
آخرين سيأتون وسيواصلون عملهم ل... "