خطة البحث
v المقدمة
v المبحث الأول : ماهية التنشئة الاجتماعية
ü المطلب الأول : مفهوم التنشئة الاجتماعية
ü المطلب الثاني : خصائصها
ü المطلب الثالث : أهدافها
ü المطلب الرابع : دور التنشئة الاجتماعية
ü المطلب الخامس : أشكال التنشئة الاجتماعية
v المبحث الثاني : مؤسسات التنشئة الاجتماعية
ü المطلب الأول : الأسرة
ü المطلب الثاني : دار الحضانة
ü المطلب الثالث : رياض الأطفال
ü المطلب الرابع : المدرسة
ü المطلب الخامس : جماعة الرفاق
ü المطلب السادس : دور العبادة
v المبحث الثالث : الإعلام و التنشئة الاجتماعية
ü المطلب الأول : تطور وسائل الإعلام و تأثيرها
ü المطلب الثاني : المطبوعات
ü المطلب الثالث : الإذاعة
ü المطلب الرابع : التلفزيون و السينما
ü المطلب الخامس : السلبيات الأخلاقية لشبكة الانترنت
v الخاتمة
v قائمة المراجع و المصادر
v المقدمة
إن الفرد ككائن عضوي يتشكل ويصبح كائناً عضوياً اجتماعياً عن طريق المجتمع وثقافته ، فالفرد يولد وينمو في المجتمع وفق نظام ثقافي معين تتشربه الأفراد والجماعات وهكذا ينمو من خلال تعامله مع أفراد المجتمع ويأخذ هذا التعامل أشكالاً متنوعة منها التقليد والمشاركة والأخذ والعطاء مع الآخرين قصد تعلم القيم ونماذج السلوك والاتجاهات وإكسابه الأدوار المتوقعة منه، كل هذا كنشاط هادف لتحقيق مطالب الفرد من المجتمع ومطالب المجتمع من الفرد ، وعلى الرغم من أن الفرد يولد وهو مزود بأنماط سلوكية وراثية وبيولوجية مع استعداد لتقبل التكيف مع بيئته الاجتماعية، إلا أن الفرد محتاج أشد الاحتياج إلى من يأخذ بيده ويوجهه الوجهة السليمة واللازمة ليستطيع العيش والتفاعل مع أفراد جماعته، ولا يتأتى كل هذا من فراغ أو بمحض الصدفة بل إنما ينشأ من خلال أخطر وأكثر العمليات الاجتماعية أهمية في الحياة ألا وهي التنشئة الاجتماعية
والتنشئة الاجتماعية ليست محصورة في المدارس النظامية أو الأسرة فحسب ، وإنما هي أوسع من ذلك بحيث يشمل نظماً وعلاقات ومؤثرات كثيرة ومتنوعة ضمن المؤسسات الاجتماعية/ التربوية غير النظامية . ولذلك يميّز ( روشي ) بين التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها مؤسسات محدّدة ، كالأسرة والمدرسة ، والتنشئة الاجتماعية التي تتحقق بصورة أوسع وتمسّ المجتمع بكامله، كما هو الحال بواسطة الراديو والتلفزيون. وكذلك تعتبر وسائل الإعلام كالإذاعة والتلفاز والكتب والمجلات والصحافة من أهم المؤسسات الاجتماعية ، الثقافية وأخطرها في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال والناشئة، بما تحمله من مثيرات جذابة، ومؤثرات فاعلة ، وبما تتضمنه من معلومات وخبرات و سلوكات تقدّمها عبر أحداثها وشخصياتها، بطريقة مغرية تستميل انتباه القراء والمستمعين والمشاهدين ، لموضوعات و سلوكات ومواقف مرغوب فيها،إضافة إلى توفير فرص الترفيه والترويج والاستمتاع بقضاء أوقات الفراغ بأمور مفيدة
وسنحاول في عرضنا هذا الإجابة عن مجموعة من التساؤلات المطروحة حولماهية التنشئة الاجتماعية ؟ و ما هو دور كل من المؤسسات الإعلامية المطبوعة المقروءة، والمسموعة والمرئية ، في عملية التنشئة الاجتماعية ؟
v المبحث الأول : ماهية التنشئة الاجتماعية
المطلب الأول : مفهوم التنشئة الاجتماعية
لغة
إن التنشئة الاجتماعية هي socialisation في اللغة الفرنسية وsocialization في اللغة الإنجليزية ، كما أمكن العلماء من تحديد مصطلح عربي مقابل لها والمتمثل في مصطلح " الجتمعة " ولكنه قليل الاستعمال والتداول .
والتنشئة الاجتماعية لفظ غير معتمد في قواميس اللغة العربية ومعاجمها ولم ترد مجتمعة حيث يمكن أن نجد لفظ تنشأ ونشأ وتنشئة ، وهي معاني تتضمن النمو والحياة وممارسة بعض الحركات والعمليات التربوية التي تعمل في مجموعها على جعل الصغير ينمو ويكبر.
فكلمة " تنشئة " تعني " أقام " و نشأ الطفل معناها شب و قرب من الإدراك ، و يقال نشأ في بني فلان أي ربي فيهم و شب "
وبارتباطها بلفظ " اجتماعية " يصبح مدلولها مقترنا بنمو الفرد في حالته الاجتماعية. وبهذا يمكننا استخلاص أن لفظ التنشئة الاجتماعية من الألفاظ المستحدثة في ميدان العلوم الاجتماعية ، وقلما تستخدم في ميدان اللغة العربية.
اصطلاحا
لقد اتخذ مفهوم التنشئة الاجتماعية مصطلحات وأبعاد متعددة ومتنوعة بسبب تنوع واختلاف العلوم كل حسب تخصصه وكل وفق منظوره كعلم الاجتماع ، وعلم النفس و الانتربولوجيا وعلم التربيــة ، وأطلقت عليها تسميات مختلفة كالتعلم الاجتماعي و الاندماج الاجتماعي والتطبيع الاجتماعي ولا تخرج هذه التسميات في نظر علماء الاجتماع عن كونها "عمليات" والتي يتم من خلالها إعداد الفرد ليأخذ مكانة في الجماعة التي ولد فيها.
- التنشئة الاجتماعية هي عملية تفاعل يتم عن طريقها تعديل سلوك الشخص بحيث يتطابق مع توقعات أعضاء الجماعة التي ينتمي إليها. وهي العملية القائمة على التفاعل الاجتماعي التي يكتسب فيها الطفل أساليب ومعايير السلوك والقيم المتعارف عليها في جماعته، بحيث يستطيع أن يعيش فيها ويتعامل مع أعضائها بقدر مناسب من التناسق والنجاح .
- وعرفها فليب ماير filipmayer بأنها:« عملية يقصد بها طبع المهارات والاتجاهات الضرورية التي تساعد علي أداء الأدوار الاجتماعية في المواقف المختلفة » .
ويرى نيوكومب Newcomb بأن التنشئة الاجتماعية هي : « تعلم الفرد من خلال التفاعل الاجتماعي للمعايير والأدوار والاتجاهات، وهي عملية نمو فالفرد يتحول من مركزه حول ذاته إلى فرد ناضج يدرك معنى المسؤولية الاجتماعية »
- يعرفها السيد عثمان بأنها : « عملية تعلم قائمة على تعديل أو تغير في السلوك نتيجة التعرض لخبرات وممارسات معينة خاصة ما يتعلق بالسلوك الاجتماعي لدى الإنسان ».
أما عملية التنشئة الاجتماعية فهي إكساب أفراد المجتمع الاتجاهات والقيم الأساسية، والمعرفة التي تتوافق مع أداء الأفراد لأدوارهم الاجتماعية المتوقعة .
أوهي العملية الأساسية التي يصبح الفرد عن طريقها مندمجا في حياة جماعة اجتماعية من خلال تعلم ثقافتها، ومعرفة دورها، وطبقاً لهذا التصور تكون التنشئة الاجتماعية عملية مستمرة مدى الحياة، ولهذا تعتبر هذه العملية ضرورية لتكوين ذات الطفل وتطور مفهومه عن ذاته كشخص وبذلك تتمثل التنشئة الاجتماعية في مدى قدرتها على تهيئة وبلورة القابلية لدى الأفراد للاندماج في الجماعات الاجتماعية داخل المجتمع، كل على حسب طبيعته كالأسرة والمدرسة والجوار، وجماعات اللعب وخلافها، فعن طريق اندماج الفرد في هذه الجماعات يكسب العقائد السائدة في المجتمع، ويتزود بالعادات و التقاليد و الأعراف الاجتماعية، وتتحدد مفاهيمه وتصوراته عن قدراته وشخصيته وطبيعة مجتمعه .
وبهذا تعرف التنشئة الاجتماعية بأنها :
"عملية تعلم وتعليم وتربية، تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى اكتساب الفرد طفلا مراهقا فراشدا فشيخا سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة هذه المعايير تمكنه من مسايرة جماعية والتوافق الاجتماعي معها وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندفاع في الحياة الاجتماعية
المطلب الثاني : خصائص التنشئة الاجتماعية
من خلال العرض السابق لمفهوم التنشئة الاجتماعية يمكن أن نستنتج جملة من الخصائص التي تتميز بها عملية التنشئة فيما يلي:
v إنها عملية نسبية : أي تختلف باختلاف الزمان والمكان كما تختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد، كما أنها تختلف من بناء لآخر ومن تكوين اجتماعي واقتصادي لآخر .
v إنها عملية ديناميكية:أي أنها عملية حركية مستمرة وفي تفاعل متغير، وهي بالتالي عملية أخذ وعطاء بحيث يصبح الفرد مكتسبا للثقافة التي يعيشها، ومن ثمة ينقل الثقافة للآخرين
v إنها عملية فردية اجتماعية: بمعنى أنها فردية خاصة بالفرد، بالإضافة إلى كونها اجتماعية لا تتم إلا ضمن الجماعة وفي الإطار الجماعي والاجتماعي.
v إنها عملية مستمرة: فالمشاركة المستمرة في مواقف جديدة متجددة، تتطلب تنشئة مستمرة يقوم بها الفرد بنفسه ولنفسه حتى يتمكن من مقابلة المتطلبات الجديدة للتفاعل وعملياتها المختلفة والتي لانهاية لها مما يترتب عليه ألا تكتمل التنشئة على الإطلاق، ولا تبقى الشخصية ثابتة في تفصيلها أبداً فالتنشئة تساير الإنسان عبر أطوار حياته المتنامية.
v إنها عملية تحول اجتماعي: أي يتحول من خلالها الفرد من طفل يعتمد على غيره متركزا حول ذاته لا يستهدف في حياته إلا إشباع حاجاته الفسيولوجية، إلى شخص ناضج يدرك معنى المسؤولية الاجتماعية وتحملها ومعنى الفردية والاستقلال. بمعنى أنها تحول الإنسان من فرد إلى شخص .
v إنها عملية معقدة: أي إنها عملية متشعبة تستهدف مهمات كبيرة تعتمد على أساليب ووسائل كثيرة لتحقق ما تهدف إليه
v تعدد وتنوع مؤسساتها وأساليبها: الأماكن التي تتم بها عملية التنشئة المقصودة وغير المقصودة متنوعة فهناك الأسرة الصغيرة، العائلة ، القبيلة ، والدولة والمدرسة والمعهد والجامعة ودور العبادة، وأماكن العمل ووسائل الإعلام على اختلاف أنواعها والنوادي الرياضية والاجتماعية والثقافية والثقافة المجتمعية و…الخ
المطلب الثالث : أهداف التنشئة الاجتماعية
وفقا لخصائص ومفهوم التنشئة الاجتماعية السابقة الذكر يمكننا استعراض أهدافها كما يلي :
v الهدف الأساسي من عملية التنشئة تكوين الشخصية الإنسانية وتكوين ذات الطفل عن طريق إشباع الحاجات الأولية له، بحيث يستطيع فيما بعد أن يجد نوعاً من التوافق و التآلف مع الآخرين من جهة ومع مطالب المجتمع والثقافة التي يعيش فيها من جهة أخرى
v التدريبات الأساسية لضبط السلوك وأساليب إشباع الحاجات: حيث أن من خلال هذه العملية يكتسب الطفل من أسرته اللغة والعادات والتقاليد السائدة في مجتمعه، والمعاني المرتبطة بأساليب إشباع حاجاته الفطرية والاجتماعية والنفسية.
v اكتساب المعرفة والقيم والاتجاهات وكافة أنماط السلوك وحيث أنها تشمل أساليب التعلم والتفكير الخاصة بالمجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، هذا واكتساب العناصر الثقافية للجماعات والتي تصلح لتكوينه الشخصي
v غرس النظم الأساسية في الفرد، وغرس الطموح والتقدم في النفس وحياة الفرد .
v غرس الهوية في الفرد وفقا لاحتياجاته وقدراته التعليمية والمهنية ، وغرس الهوية القومية
- وتتعدد طبيعة وأهداف التنشئة الاجتماعية بوجه عام لتتناول جوانب متعددة طبقا للفلسفات والإيديولوجيات والأفكار التي تنطلق منها .
و في النظر إلى التنشئة الاجتماعية نجد أن "إسماعيل حسن عبد الباري" شملها في الآتي:
* النمو: تهدف التنشئة إلى نمو الفرد من كل جوانبه الجسمية والعاطفية والعقلية والاجتماعية والمعرفية، والمهارة والسلوك والخبرة .
* التكيف: يعتبر ركيزة أساسية من ركائز التنشئة الاجتماعية وهو من العمليات الاجتماعية في حياة الإنسان فالإنسان يواجه الكثير من المؤثرات الداخلية والخارجية ويحاول أن يكيفها أو يخضعها لحاجاته ومتطلباته، أو يحاول أن يتكيف معها وعندما تكون عملية التكيف متفقة مع حاجات الفرد ومطالب الجماعة، فإنها تكون عملية فردية واجتماعية في نفس الوقت .
* إعداد الفرد لمهنة: هذا الهدف يتعلق بعملية إعداد الفرد لمهنة يؤديها، يستطيع بها أن يكسب العيش وأن يسهم في بناء مجتمعه، وأن يعيش في هذا المجتمع معتمدا على نفسه متكيفا وبيئته. وأخيرا يبقى هدف التنشئة الاجتماعية ونتيجتها خلق وتنمية الرغبة في الناس أن يصبحوا آباء، وأن يثبتوا في أطفالهم الرغبة في أن يصبحوا آباء عندما يكبرون وهكذا.
المطلب الرابع : دور التنشئة الاجتماعية
تساهم عملية التنشئة الاجتماعية في التوفيق بين دوافع الفرد ورغباته ومطالب الآخرين المحيطين به وبذلك يتحول الفرد من طفل متركز حول ذاته ومعتمد على غيره هدفه إشباع حاجاته الأولية، إلى فرد ناضج يتحمل المسؤولية الاجتماعية ويدركها بالقيم والمعايير الاجتماعية السائدة ، فيضبط انفعالاته ويتحكم في إشباع حاجاته وينشئ علاقات اجتماعية سليمة
وقد لخص "محمد عبدو محجوب" دور التنشئة الاجتماعية في النقاط التالية :
* تقوم التنشئة بدور هام في تشكيل شخصية الفرد وفي تكوين اتجاهاته وميوله ونظرته إلى الحياة من حوله، فالمواقف الاجتماعية المؤلمة والمفرحة التي يتعرض لها الطفل في سنواته الأولى مثل مواقف الرضاعة والفطام والتدريب على النظافة وغيرها من أساليب التنشئة لها اثر على تكوين شخصيته في المستقبل.
* تقوم التنشئة الاجتماعية بدور فعال في إعداد الفرد ليلعب أدواراً متعددة، لأنه مطالب بمجموعة من النشاطات والأفعال في المجتمع الذي يعيش فيه كي تنتظم الحياة الاجتماعية وعليه فلابد أن يحتل مجموعة من المكانات التي منها ما يتحدد بولادته مثل:النوع، الدين، العرف والطبقة وأن يكون مستعداً وقادراً على القيام بالأدوار التي توكل إليه.
* تشمل عملية التنشئة على مجموعة من المدخلات التي يكسب بها الفرد من خلالها بعض خصائصه الشخصية مثل: المعرفة، المدركات، المهارات، الاتجاهات، القيم و الدوافع، الحاجات وهي تحدد في مجموعها معالم الشخصية المتميزة وتحدد له الطريقة التي يتكيف بها مع عالمه الثقافي والاجتماعي والفيزيقي.
* تشمل عملية التنشئة الاجتماعية على مجموعة من المدخلات أو المكونات البنائية التي يكسب الفرد من خلالها بعض خصائص شخصيته، والتي منها القيم والرموز والأخلاق والسجايا والمعتقدات والمفاهيم، والأمثال والمعايير والتقاليد والأعراف والوسائل والمهارات المستعملة من طرفه في تعامله مع بيئته .
ومن أهم وظائف التنشئة الاجتماعية تعليم الشخص المشاركة في الأدوار الاجتماعية ولذلك تكون الموضوعات التي يمكن إستدماجها هي الأدوار الاجتماعية ووظائفها.
المطلب الخامس : إشكال التنشئة الاجتماعية
تتكون التنشئة الاجتماعية من شكلين الأول: تنشئة مقصودة والثاني: تنشئة غير مقصودة.
التنشئة المقصودة :
تتم في المؤسسات الرسمية مثل الأسرة والقبيلة والمدرسة ودور العبادة ولكنها تتضح تماماً في المدرسة كمؤسسة تعليمية رسمية.
وتأتي الأسرة أو المنزل كمؤسسة مهمة في تنشئة الأفراد عن قصد، فالأسرة تعلم أبناءها اللغة وآداب الحديث والسلوك وفق نظامها الثقافي ومعاييرها واتجاهاتها. وكذلك التعليم المدرسي في مختلف المراحل يكون تعليما مقصودا له أهدافه وطرقه وأساليبه.
إلى جانب هذه المؤسسات توجد الجماعات والأجهزة والمؤسسات التي تمارس عملية التنشئة، ففيها تتم عملية تعليم الطفل ما تريده له هذه المؤسسات، ويتطبع بالطباع المرغوبة في مجتمعه.
التنشئة اللا مقصودة :
تتم أيضا في المؤسسات السابقة الذكر(عدا المدرسة) ولكنها أكثر ما تكون وضوحا في مؤسسات الإعلام المختلفة حكومية رسمية، وشعبية غير حكومية، حزبية أو طائفية وعن طريق هذه المؤسسات ودون أن تفصح عن عملية التوجيه، يكتسب الفرد عادات والقيم والمعايير وغير ذلك من أنواع السلوك التي تريد الدولة توصيلها للأفراد.
v المبحث الثاني : مؤسسات التنشئة الاجتماعية
إن عملية التنشئة الاجتماعية ليست عملية تعلم رسمي يتلقاه الفرد في المؤسسات الرسمية، وإنما هي أوسع من ذلك بكثير، إذ يدخل فيها اكتساب الفرد لأساليب السلوك والعادات الفردية والمهارات والاتجاهات وغيرها، وهي كلها أمور تنتقل إلى الفرد عن طريق المحيطين به عن طريق التفاعل والتواصل وفي المواقف الحياتية المتعددة، ومن خلال وحدات اجتماعية ومؤسسات ينشئها المجتمع من اجل تنمية استعدادات الأفراد الفطرية وتدريبهم على تلبية حاجاتهم وتأهيلهم للحياة الاجتماعية. ولذلك سنتناول هذه المؤسسات التي تختلف في تقسيمها وتصنيفها باختلاف وظائفها بالتفصيل .
المطلب الأول : الأسرة
تعتبر الأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية والتربوية المسؤولة عن تزويد الجيل الجديد بالتربية والتعليم واكتساب الخبرات والمهارات والمؤهلات العلمية والتقنية التي هي السبيل الوحيد لنهوض المجتمعات المعاصرة ورقيها وتقدمها، لذا نجد أن الأسرة تسعى من أجل زرع الخصال القيمة والسلوكية الايجابية عند الأحداث والمراهقين والشباب، ورعايتهم من كل الجوانب، ومن أجل اكتساب أسس ومبادئ ومقومات الثقافة والتربية والتعليم لكي يكونوا قادرين على المشاركة الفاعلة في بناء المجتمع وتطويره في كافة المجالات .
المطلب الثاني : دار الحضانة
الحضانة: مصدر حَضَنَ وهي الولاية على الطفل لتربيته وتدبير شؤونه.
مدارس الحضانة : هي مدارس ينشأ فيها صغار الأطفال. أما حَاضنَة : هي المرأة التي تقوم على تربية الصغير، والمرأة التي تقوم مقام الأم في تربية الولد بعد وفاتها.
تحتضن دار الحضانة الأطفال مجهولون الوالدين، والأطفال الذين عجز الوالدان عن القيام بتربيتهم وحضانتهم بسبب عاهة عقلية، أو حالات الانفصال والزواج بأخرى وتنازل الوالدين عن الطفل.
تعتبر دور الحضانة من أهم العوامل في تنشئة الطفل الثقافية والاجتماعية بعد أسرته لأن تفكير الأطفال في هذه المرحلة من العمر يزداد نمواًَ وتطوراً، مما يستلزم معه إعداد الخبرات التجريبية والتربوية وتدريب الأشخاص القائمين على رعايتهم
توفر الحضانة الإيوائية كل وسائل الرفاهية النموذجية للأطفال فتحتوي على عدد كبير من الحجرات يقطن كل عدد خاص من الأطفال في حجرة خاصة، ولهم أم بديلة تقوم برعايتهم وتستوعب احتياجاتهم للحب والحنان كما تتوفر على ملاهي للأطفال، كما توجد بها روضة نموذجية للأطفال ما قبل المدرسة.
تدفع بعض الأسر بأطفالها بين الثانية والرابعة من العمر إلى دار الحضانة، هذا التوجه المبكر لوضع الطفل في مؤسسة يفترض أنها تربوية، يمكن أن يكون بالنسبة للعديد من الأطفال خبرة ثمينة تهيئ للعب مع أطفال من نفس عمره تقريبا.
كما تقدم له أهم أوجه الحماية والرعاية أثناء عمل أوليائه، والعمل على توفير الإمكانيات والأجهزة والبرامج الاجتماعية، والصحية، والرياضية، والنفسية، والعقلية التي تتناسب مع عمره ولحماية الطفولة ووقايتهم من المشكلات والانحرافات الأخلاقية والسلوكية.
المطلب الثالث : رياض الأطفال
و هي تلك المؤسسة التربوية الاجتماعية التي يلتحق بها الأطفال من سن مابين الثالثة والسادسة من العمر، كما تعرف في كثير من البلدان بمدارس الحضانة أو مراكز الرعاية النهارية أو رياض الأطفال .
تعد الروضة ثاني المؤسسات التربوية الهامة التي تسهم في تربية الأطفال وتنشئهم، وهي تلي الأسرة كمؤسسة تربوية أولى، سواء من حيث المكانة الهامة التي تحتلها، أو الدور التربوي الذي تقوم به.
تسهم الروضة في إعداد الطفل جسدياً ونفسياً ومعرفياً واجتماعياًُ وأخلاقيا. وتهتم بمجالات محددة عديدة مثل السلوك النفسي الاجتماعي وتعليم الأطفال الآداب وقواعد المرور واللغة والإلمام بالمبادئ العلمية الأولية إضافة إلى الاهتمام باللعب والموسيقى والغناء وسواها، كما تقوم رياض الأطفال بتهيئة الأجواء النفسية التي يشعر الطفل فيها بالأمان والاستقرار العاطفي الذي يشجعه على الانطلاق والتعبير عن ذاته، وتنمية مهاراته وإشباع مختلف حاجاته.
وقد أثبتت الدراسات التربوية أن الطفل الذي يلتحق برياض الأطفال تنمو لديه العديد من المواهب والقدرات التي لا تتوفر لمن حرموا من الالتحاق برياض الأطفال، لأنه يمارس العديد من الهوايات والأنشطة التي تنميهم نموا متكاملا.
فالطفل في مرحلة الروضة متعطش للمعرفة والبحث، فهو يحاول الاستزادة العقلية والمعرفية ويريد معرفة الأشياء التي تثير انتباهه، وأن يفهم الخبرات التي يمر بها، وقد أطلق البعض على هذه المرحلة بـ " مرحلة السؤال ".
المطلب الرابع : المدرسة
انه مع تطور المجتمعات ظهرت الحاجة إلى المدرسة التي لم يقصد بإنشائها نقل وظيفة الأسرة إليها. وإنما أريد بها مقابلة تلك الاحتياجات الجديدة الناشئة عن تطور المجتمع وتقدمه باشتراك المدرسة والأسرة، من جانب أو من جوانب قد لا تستطيع الأسرة الوفاء بها في ظل إمكانياتها والتغيرات التي طرأت على المجتمع.
تشترك المدرسة مع غيرها من مؤسسات المجتمع في فعل التنشئة الاجتماعية، وهي أقرب إلى الأسرة والمؤسسة والمدرسة وغيرها من الوكالات الإعلامية. المدرسة هي واحدة من وكالات التنشئة الاجتماعية لكن الفرق بين المدرسة وغيرها من الوكالات أن المدرسة هي الوحيدة المتخصصة بالتنشئة أي ليس لها أدوار أخرى فهي تقتصر على التنشئة، وما يرتبط بها من اصطفاء.
هي أهم المنظمات الاجتماعية التي تعمل على تنشئة الطفل اجتماعيا بخطط وبرامج مقصودة، كما أن لها دورا في بيئة التعلم النفسية والاجتماعية، لها دور خطير في حياة الطلاب لأنها تحقق لهم عوامل النجاح والفشل. يهتم علماء النفس التعليمي بعمليات التعلم وتسهيله وتحسينه، وتنمية التفكير العلمي والابتكار والقدرات العقلية ولذلك يذكر" صلاح مراد" أن التعلم يهدف إلى اكتساب التلاميذ للمعرفة وتنمية المهارات في المجالات المختلفة، كما يهدف إلى تنمية أساليب التفكير العلمي والاستدلالي.
وتتميز المدرسة كبقية المؤسسات الاجتماعية بالديناميكية والتفاعل وهي من أدلة ازدياد مرحلة التخصص والنواة.
و يمكن اعتبارها نظاماً متخصصا في التنشئة يعمل بالرموز لما هو مكتوب، وهي من بين وكالات التنشئة الاجتماعية الأكثر تحديداً وذهنية وكثافة وتنظيما.
إن مهمة المدرسة الأولى أن تدرب الأطفال على الحياة التعاونية ذات المساعدة المتبادلة لتغذي فيهم الوعي بالاعتماد المتبادل وتساعدهم عمليا في خلق التوافق لتطبيق هذه الروح في أعمال ظاهرة. وتهتم بالتراث الثقافي التعلم النشط في الحاضر للحياة، أو تهتم بتربية شخصية مرنة قادرة على التغيير والتكيف مع مواقف الحياة المتجددة و باستمرار.
- ومن مهامها أيضا أنها تعمل على تسهيل عملية التعلم والتطور الشامل لكل طالبي العلم.
- فإذا كان دور المنزل مهما في اكتساب الطفل الخبرات والمهارات اللغوية، فإن دور المدرسة ومهمتها لا تقل أهمية، حيث تعمل على تنمية المهارات لدى الناشئة من الطلاب، وذلك مع مراعاة الطرق الابتكارية الحديثة في عملية التعلم
- وجمل جون ديوي مهام المدرسة في النقاط التالية :
* تدريب الأطفال على الحياة التعاونية مما ينمي فيهم الوعي بضرورة الاعتماد المتبادل وتطبيق هذا ميدانيا في أعمال تجسد هذه الروح.
* توجيه الرعاية في الاتجاهات الفطرية والى فعاليات الطفل وليس إلى المادة الخارجية.
* تنظيم الميول الفردية والفعاليات وتوجيهها عن طريق استخدامها.
المطلب الخامس : جماعة الرفاق
تعتبر جماعة الرفاق من الجماعة الاجتماعية التي تلعب دورا مؤثرا في عملية التنشئة الاجتماعية خارج نطاق الأسرة وفي المدارس وخارجها فهي جماعة يشترك أعضائها في الثقافة وهي جماعة تقارب أعضاؤها غالبا في السن وقد تكون من فئات عمرية متباينة.
وللجماعة الرفاق نظام معياري أو سلوكي يفرض على الطفل مطالب معينة عندما يقوم بمختلف الأدوار، إلا أن تأثير الجماعة في أفرادها أكثر قوة وأعمق جذورا لاشتراكهم في مفاهيم عامة، ولموقف جماعة الرفاق قدرة على إنتاج ضغوط هائلة على الفرد وإجباره على إجراء أنشطة لا يستطيع القيام بها بمعزل عن جماعته، وقد يكون لهذه الأنشطة تأثيرات على تغيير سلوك الفرد.
كما أنه لوحظ من خلال التجارب أن مدى تأثير الفرد بالصحبة هو أمر يتوقف على العلاقة بين الفرد و صحبته، وكلما ازدادت درجة هذه العلاقة ازداد مدى تمسك الفرد لما اصطلحت عليه الجماعة على أنماط سلوكية.
فمثلا يقيد الأقران الشاب المراهق بمبادئ سلوكية تتحكم فيه ، فعن طريق تحرك المراهق وتشكله داخل جماعة الأقران نجد أنها ترسخ فيه مبادئها ومعاييرها السلوكية، فيبتعد المراهق تدريجيا عن المعايير السلوكية للوالدين ، في حين يلقى تدعيما وتعزيزاً لسلوكه من الأقران.
ويلخص حامد زهران اثر جماعة الرفاق في عملية التنشئة الاجتماعية فيما يلي:
- المساعدة في النمو الجسمي عن طريق إتاحة فرصة ممارسة الأنشطة الرياضية، والنمو العقلي عن طريق ممارسة الهوايات، والنمو الاجتماعي عن طريق المساعدة الانفعالية ونمو العلاقات العاطفية في مواقف لا تتاح في غيرها من الجماعات.
- تكوين معايير اجتماعية وتنمية الحساسية والنقد نحو بعض المعايير الاجتماعية للسلوك.
- القيام بأدوار اجتماعية جديدة مثل القيادة وتنمية الاتجاهات النفسية.
- المساعدة على تحقيق الاستقلال الذاتي وتحقيق الذات والاعتماد على النفس.
- إتاحة الفرص لتقليد سلوك الكبار وتحمل المسؤولية الاجتماعية.
- إشباع حاجات الفرد إلى المكانة والانتماء.
- إكمال الفجوات وملء الثغرات التي تتركها الأسرة والمدرسة في معلومات الطفل والمراهق خاصة في النواحي الجنسية.
وهكذا نجد للرفاق في مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة أهمية كبرى في توجيه الاتجاهات والميول وتحديد مسار سلوك الفرد وفقا لطبيعة تكوين هته الجماعات، فقد يتعلم منها الفرد السلوك المنحرف، وقد تخلق منه شخصية مبدعة ايجابية ناجحة في حياتها.
المطلب السادس : دور العبادة
تؤثر دور العبادة في عملية التنشئة الاجتماعية وتعلم الفرد التعاليم الدينية والمعايير السماوية التي تحكم السلوك بما يضمن سعادة الفرد والمجتمع، وإمداد الفرد بمعيار سلوكي معياري، وتنمية الضمير عنده والدعوة الى ترجمة التعاليم السماوية السامية إلى سلوك عملي، وتوحيد السلوك الاجتماعي والتقريب بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
وأماكن العبادة شأنها شأن أي مؤسسة تربوية أخرى تؤثر في حياة الأفراد تأثيرا كبيرا إلى جانب تأثيرها العقائدي والأخلاقي.
فنجد المسجد والكتاتيب والزوايا والمدارس القرآنية والجمعيات الدينية كدعامة أساسية في الدين الإسلامي، والأديرة والكنائس في الديانة المسيحية، والمعابد والبيوت الخاصة عند الديانة الوثنية.
تلعب المؤسسة الدينية دورا هاما في التنشئة الاجتماعية للفرد من حيث:
- تعليم الفرد والجماعة التعاليم الدينية التي تحكم السلوك مما يؤدي الى سعادة أفراد المجتمع.
- إمداد الفرد بإطار سلوكي نابع من تعاليم دينه.
- الدعوة إلى ترجمة التعاليم الدينية وغرس القيم الدينية .
- تنمية الضمير عند الفرد والجماعة، وتوجيه السلوك الاجتماعي والتقريب بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
في الإسلام يأتي المسجد ليمثل الدعامة الأولى من دعامات المجتمع إذ يعد المؤسسة الاجتماعية الأولى بعد الأسرة في المجتمع الإسلامي، وظيفته هي صنع المسلم المتكامل البناء، في خلقه وسلوكه وعمله ومبادئه، إذ هو مركز إشعاع وتوجيه وتربية، وذلك بتقديم النصح والتوجيه للمسلمين لمواجهة ما يعترض حياتهم من مشكلات وقضايا.
وفي المسجد يمكن للفرد أن يتربى روحياً وايمانياً وخلقياً واجتماعياً ونفسياً بممارسة العبادات التي تدخل مباشرة في تلبية حاجة الروح من الصلاة والذكر والتسبيح والاستغفار وتلاوة القرآن.
يقول يوسف القرضاوي:« إن رسالة المسجد تكمن في كونه جامعة شعبية للتثقيف والتهذيب، وبرلمان دائم للتفاهم والتشاور، ومؤتمر عام للتعارف والتحاب، ومعهد للتربية العلمية ».
أما عن الأساليب التي تتبعها دور العبادة في عملية التنشئة الاجتماعية والدينية فهي الترغيب والترهيب والدعوة إلى السلوك الحسن طمعا في الثواب، والابتعاد عن السلوك المنحرف تجنبا للعقاب، والتكرار والإقناع والدعوة إلى المشاركة في تنمية المجتمع وعرض النماذج السلوكية المثالية والإرشاد العلمي.
v المبحث الثالث : وسائل الإعلام و التنشئة الاجتماعية
المطلب الأول : تطور وسائل الإعلام و تأثيرها
يقصد بوسائل الإعلام هنا المؤسسات الأهلية ، الحكومية والرسمية وغير الرسمية التي تنشر الثقافة و تعرف الأفراد بالتراث قديمه وحديثه، وتعني بالنواحي التربوية كهدف لتكيف الفرد مع الجماعة المحلية إذ تعتبر عنصر أساسي من عناصر التنشئة، ومن هذه المؤسسات: الإذاعة والتلفزيون والصحف ودور السينما والمسارح.
لقد شهد الإعلام تطورا هائلا و حقق طفرة واضحة تشاهد اليوم مظاهرها و ترقب آثارها و تتابع نتائجها باهتمام بالغ ، خاصة في الأساليب التقنية ، فقد ألغت أجهزة الإعلام المتطورة المسافات تماما حتى أضحى في مقدور من في شرق الكرة الأرضية أن يتابع خبرا أو حدثا في نفس الوقت مع زميله القاطن في غربها ، فتلاشى عامل الزمن و تقلصت المسافة و تخطت وسائل الإعلام الحديثة المكان و الزمان مما زاد من خطورتها و ضاعف من المسؤوليات الملقاة عليها .
و يرجع الفضل في بداية تطور وسائل الإعلام الحديثة و أساليبه التقنية إلى علماء ثلاثة هم _ جوتنبرغ ) الذي كان أول من فكر في اختراع الطباعة بالحروف المعدنية ، و ( ماركوني ) الذي استطاع أن يبني جهاز للاستقبال و آخر للإرسال تفصلهما مسافة كيلومترين ، و ( ديرزتيوس ) الذي اكتشف عنصرا جديدا أطلق عليه اسم ( سلفيوم ) كان القاعدة الأساسية التي انطلقت منه تقنية الاختراع التلفزيوني .
فأصبحت المطبعة ذات تأثير مباشر على اتجاهات الرأي العام بما تصدره من كتب و نشرات و صحف و مجلات ، كما اخترقت الإذاعة الحدود و الحواجز و انتقل الناس من باريس إلى طوكيو مرورا بواشنطن و موسكو و لندن عبر مفاتيح الراديو .
أما التلفزيون فإن استخدامه للصوت و الصورة و اللون معا جعله من أخطر الوسائل الإعلامية تأثيرا على العقول .
تعتبر وسائل الإعلام كالإذاعة والتلفاز، والكتب والمجلات والصحافة من أهم المؤسسات الاجتماعية، الثقافية وأخطرها في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال والناشئة، بما تحمله من مثيرات جذابة، ومؤثرات فاعلة، وبما تتضمنه من معلومات وخبرات و سلوكات تقدّمها عبر أحداثها وشخصياتها، بطريقة مغرية تستميل انتباه القراء والمستمعين والمشاهدين، لموضوعات و سلوكات ومواقف مرغوب فيها،إضافة إلى توفير فرص الترفيه والترويج والاستمتاع بقضاء أوقات الفراغ بأمور مفيدة و سنحاول فيما يلي توضيح دور كل من المؤسسات الإعلامية المطبوعة المقروءة، والمسموعة والمرئية، في عملية التنشئة الاجتماعية.
المطلب الثاني :المطبوعات
الصحيفة لا تقل في رسالتها عن الأسرة والمدرسة ، وهي من خلال موادها المبسطة والتي تنشرها تقدم للفرد أصول المعارف والصحة والآداب والفضيلة والأخلاق والإحساس بالمجتمع والحياة، تقوم بمهمة التعليم هدفها اجتماعي ووظيفة اجتماعية تسعى إلى خلق مجتمع متعارف.
فقد كانت الكلمة المطبوعة ، و ما تزال تمثل أهمية كبيرة في وسائل الإعلام عامة والمقدّم منها للصغار خاصة.. حيث تؤدي الكلمة المطبوعة من خلال الكتب والصحف والمجلات بما فيها من معارف ومعلومات، وفنون وآداب متعدّدة ، أدواراً هامة في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال. فهي تزيد من خبرات الطفل بصورة متدرجة ، وتطلعه على نماذج مختلفة من السلوكات التي يقتنع بها ويحاول استدخالها في بنيته الشخصية ، بعدما يتّضح له الجيد منها والرديء ، وبما يسهم في نمو القيم الاجتماعية لديه ، أي أن ما يقرأه الطفل من موضوعات مناسبة لسنّه، يؤثر في إدراكه للعالم الداخلي والخارجي ، ويسهم في إشباع حاجاته للتخيل والمعرفة والاطلاع .
إن شغف الأطفال بالمواد المطبوعة ( كتاب مجلة صحيفة ) ، يعدّ حاجة أساسية لديهم ، سمّاها ( كاسيوبو وربيتي ) ، بالحاجة إلى المعرفة ، وسمّاها (د . كاتز) بالحاجة إلى الفهم ، بينما سمّاها (برلينBerlyne ) ، الحاجة إلى الاستطلاع. ولذلك تمثّل تنمية الميول والمهارات والعادات القرائية عند الأطفال ، مطلباً تربوياً وثقافياً هاماً في عالمنا المعاصر و ما يتسم به من تفجّر معرفي .. لأن استيعاب المعرفة في هذا العصر وهي متغيرة وسريعة صار مشكلة لا تستطيع معها أساليب التعليم والتعلّم التقليدية أن توفي بها.. ومن ثم فقد صارت ( التربية الذاتية )، و( التعليم الذاتي ) ، و (التثقيف الذاتي) مقومات أساسية تمكّن الناشئين من استمرارهم في عمليات التعلّم والتثقّف اعتماداً على أنفسهم انبعاثاً من داخلهم.. والقراءة عند الأطفال استعداداً وخبرة.. استعداد تحكمه درجة النضج التي يصل إليها الطفل، وخبرة تشكّلها وتنمّيها المثيرات التربوية الثقافية في بيئته .
ونظراً لهذه الأهمية المتزايدة للمادة القرائية، تحتاج المواد المطبوعة الموجهة إلى الأطفال، إلى تقويم علمي وفنّي سليم، بحيث يتمّ تقديم الموضوع المناسب للطفل وفق مراحله المختلفة، سواء أكان في كتاب أو في مجلة أو في صحيفة، وبما يوفر له فرصة القراءة الممتعة للموضوعات الأدبية والعلمية والفكرية التي تتوافق مع قدرته العقلية من جهة، وتشبع حاجاته النفسية والاجتماعية من جهة أخرى. فيقترب الطفل عندها من الكتاب أو المجلة، ويشعر أن في كل منهما امتداداً لما في ذهنه ونفسيته. وبذلك يتحقّق الهدف الأساسي من وراء الكم المقروء وفي مشاركته في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل.
إن كتب الأطفال وصحافتهم إذن، من الوسائل الهامة التي يجب توفيرها للأطفال، لأن فيها التسلية والمتعة والفائدة خارج حدود مناهج التعليم المقرّرة والمفروضة.. وتستطيع أن تؤدي دوراً كبيراً في زيادة مخزون الأطفال العلمي والثقافي.. فقراءة كتاب مثلاً أو مجلة فيها من الحقائق العلمية والمعارف الإعلامية ما ينمّي شغف الطفل ويثير اهتمامه ،ويحرّضه على المزيد من القراءة، وتشكل بالتأكيد وسيلة تربوية ناجحة ، إذ تثير تفكير الطفل وتحفزه على التأمل وطرح الأسئلة والاستفسارات على نفسه أو على الآخرين من حوله،للوصول إلى ما يلبّي حاجته وفضوله إلى اكتشاف المجهول ومعرفة كل جديد...
المطلب الثالث : الإذاعة
تعتبر الإذاعة عصب الإعلام حيث اعتبرت إحدى الوسائل التعليمية ذات الأهمية الكبيرة باعتبارها وسيلة اقتصادية ولذلك فهي الوسيلة السمعية التي تعتمد على حاسة السمع.
تصنّف الإذاعة من وسائل الإعلام المسموعة، واسعة الانتشار، حيث يتمّ الاستماع إليها في المكان والزمن المرغوبين من قبل المستمع. وقد تبوأت الإذاعة منذ العشرينيات من القرن العشرين مكاناً بارزاً في العالم، على مستوى الإعلام والاتصال الجماهيري،وتزايد الاعتماد عليها يوماً بعد يوم بالنظر لما تقوم به المادة المذاعة من تسلية الناس المستمعين وتقديم المواد الثقافية المختلفة لهم، وإطلاعهم على آخر الأحداث المحلية والدولية من خلال نشرات الأخبار والبرامج المتنوعة، وبذلك تسدّ حاجة الناس إلى الترفيه والتثقيف والإعلام...
ومن الخصائص الإعلامية للإذاعة، أنها سريعة الانتشار وبين شرائح من الناس مختلفة إذ لا تتطلب معرفة القراءة والكتابة بشكل جيد كما هو الحال في الوسائل المطبوعة (الكتاب المجلة والصحيفة) ولا تحتاج إلى تقنيات خاصة كالتلفزيون. كما تتصف الإذاعة بقدرتها على استحواذ انتباه المستمعين واستهوائهم من خلال المادة المذاعة بعبارات واضحة ومفهومة لدى كل من المثقف وغير المثقف.. إضافة إلى تمتّع الإذاعة بالقدرة على خلقأجواء نفسية وجدانية للمستمعين من خلال تنوع البرامج التي تلائم جميع الأوقات.. والأهم في خصائص الإذاعة أنها تتصف بالمرونة وسهولة اقتناء الجهاز وتشغيله، وتمكين الإنسان من حمله إلى حيثما يشاء. بعد التطوّرات التي طرأت على جهاز الراديو، وجعلته في متناول اليد باستمرار.. وأخيراً فإن المذياع يحقّق وظيفة اجتماعية هامة بالإضافة إلى ما يحقّقه من وظائف إخبارية ومزاجية ونفسية، وما يمتلكه من القدرة على إطلاق لخيال والإيحاء والإثارة عند المستمع
ولذلك،تؤدّي الإذاعة بخصائصها المميّزة دوراً هاماً بين وسائل التنشئة الاجتماعية، بما لها من تأثيرات فعّالة في شخصيات الأفراد/ المستمعين، ولاسيّما تزويدهم بالمعارف والخبرات المختلفة، وتعزيز أنماط السلوك المرغوبة والقيم السائدة في المجتمع.. أما بالنسبة للطفل فإن الإذاعة وعبر برامجها المختلفة تقدّم للطفل مواقف وعلاقات اجتماعية معينة، وتعلّمه كيف يمكنه أن يواجه تلك المواقف في حياته الواقعية، الحالية والمستقبلية، وإذا كان البعض يعتقد أن انعدام الصورة في الوسيلة الإذاعية تمثّل أحد أوجه النقص بالمقارنة مع التلفاز أو السينما، فإنه من ناحية أخرى يمكننا أن نعتبر ذلك إحدى الميزات التي يتفوّق بها المذياع على الوسائل السمعية و البصرية الأخرى في مجال التثقيف بصفة خاصة، وذلك لأن انعدام الصورة يساعد الطفل المستمع على تركيز انتباهه على الكلمة وعلى النص المذاع، ممّا يؤدي إلى زيادة استفادته وتعميق تحصيله في هذا المجال..
لكن هذا لا يدفعنا إلى غضّ النظر عمّا ينبغي أن تتميّز بها لمادة الثقافية المذاعة، من وضوح العبارات والأفكار، وتبسيط المفردات وبطء الإلقاء بحيث يتناسب مع القدرة النسبية للأطفال على الاستيعاب والمتابعة، ولاسيَّما أن المستمع لا يتمكن من إيقاف المتحدث أو مراجعته بقصد الاستفسار والفهم..
واعتماداً على المعلومات وأساسيات العلم التي يتلقاها الأطفال في المدرسة،تهدف برامج الأطفال الإذاعية إلى تنمية المزيد من المعلومات المعرفية وإلى ترقية الاهتمامات بالعلم وتطبيقاته، وتهيئة الأطفال لمزيد من القراءة والاطلاع .
وفي هذا الإطار، تخصص برامج الإذاعات في العالم برامج خاصة للأطفال سواء التعليمية منها. أو الترفيهية أو التربوية التي تسعى إلى إكساب الطفل القيم والمعايير الاجتماعية الإيجابية، ويعود هذا الاعتبار إلى أن الطفولة هي المستقبل، فيمكن للإذاعة أن تؤدي دوراً أساسياً إلى جانب الأسرة والمدرسة، ووسائل الإعلام الأخرى،في التربية الشاملة، والتنشئة الاجتماعية وتساهم هذه البرامج في بناء شخصية الطفل و زيادة قدرته اللغوية وثقافته، وتوسيع مداركه وتزيد من علاقاته الاجتماعية بفتحها آفاق اجتماعية جديدة أمامه .
وذلك من خلال عرض خبرات متنوعة ، و سلوكات متعدّدة لشخصيات مختلفة ، إيجابية وسلبية. تكون بصفاتها ومواقفها متناسبة مع عمر الطفل ومستوى نضجه العقلي والنفسي، فيتلقاها ويستمع إليها ويتابعها بعناية ، ويستوعب دلالاتها الفكرية والسلوكية.
وهكذا ،نجد أن الإذاعة هي وسيلة اتصال اجتماعية وثقافية هامة، تعمل على تزويد الطفل بالمعارف والخبرات الثقافية المتنوعة التي تسهم في تكوين شخصيته، كما أنها تغني مفرداته اللغوية بأسلوب ترفيهي ممتع . وتحقّق بالتالي الأهداف التربوية منها، إذا ما توافرت في العمل الإذاعي الناجح شروط إثارة الأطفال واجتذابهم ، ووضوح العبارة وإيجازها، بصورة ممتعة ومفيدة...
المطلب الرابع : التلفزيون و السينما
يعدّا لتلفاز من أكثر وسائل الإعلام جماهيرية في عصرنا الحاضر، نظراً لقدرته على الإيصال والتأثير في الكبار والصغار، من خلال مثيرات جذابة ومشوقة، تشدّ المشاهد وتلزمه على المتابعة لفترة طويلة، ومن المعروف (نفسياً وتربوياً) أن تعدّد المثيرات التي تشرك أكثر من حاسة فاعلة عند الإنسان ، تؤدي إلى شدّة الانجذاب والانتباه ، وبالتالي الحصول على التأثير والفائدة بصورة أكبر وأدوم (سلباً أو إيجاباً). وهذا ما تفعله الشاشة الصغيرة في عصرنا الحالي.
وإذ اكان هذا التأثير ينطبق على مشاهدي التلفاز بوجه عام، فإنه يكون أشدّ فاعلية وأبعد ديمومة عند الأطفال بوجه خاص، ولاسيّما أن التلفاز أصبح جزءاً من حياتهم لأنه يقدّم لهم برامج علمية /وثقافية تربوية، تترك انعكاساتها في نفسية الطفل وتكوينه الشخصي معرفياً و قيمياً / سلوكياً.. فالأطفال جميعهم وفي مراحل العمر المختلفة يشدّهما لتلفاز ويشعرون بالسرور نتيجة لما يحصلون عليه من المتعة والترفيه ، وبشكل يشبع رغباتهم وهم جالسون دون أن يبذلوا أية جهود، ولاسيّما أمام البرامج والأفلام والمسلسلات التي تعتمد الصور والرسوم المتحركة في إبراز أحداثها وشخصياتها، حيث يتابعها الطفل وهو معجب بالحيوانات والأشياء التي تتحرّك، وتتكلّم كما يفعل الإنسان، وتتصرف كما يتصرّف.. وهكذا يستغرق الطفل في المشاهدة والسماع بعد أن سيطر التلفاز على عينيه وأذنيه معاً ، بالإضافة إلى عقله ومشاعره، فينسى نفسه وكل ما حوله.
وقد أشارت دراسات كثيرة إلى أن الأطفال في سن الثالثة يقضون حوالي 45 دقيقة كل يوم أمام التلفاز، وتزداد هذه المدة إلى ساعتين يومياً عند طفل الخامسة، وترتفع إلى ثلاث ساعات يومياً عند الطفل في سن الحادية عشرة إلى الخامسة عشرة..
وأشارت بعض الدراسات الحديثة في بلدان متعددة إلى أن متوسط ما يقضيه الطفل الذي يتراوح عمره مابين (6-16 سنة)، أمام الشاشة الصغيرة يتراوح مابين (12-24 ساعة( أسبوعياً. فلنتصور التأثيرات التي يتركها التلفاز عند الأطفال..؟
ومن هنا يمكن القول : إن هناك حدوداً تفاعلية لعلاقة الطفل بالتلفاز، قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية . أي أن للتلفاز أهمية كبيرة وخطيرة في تعزيز بعض القيم الإيجابية من جهة وتعزيز بعض القيم السلبية من جهة أخرى. فغالبية الأطفال يعترفون بأنهم يتعلمون بعض الأشياء من التلفاز، فالفتيات يتعلّمن كيفية المشي الصحيح وطريقة الحديث وكيفية اختيار الملابس. والفتيان يكتسبون عادات الشباب في ارتداء الأزياء المختلفة وبعض المهارات الرياضية وكثير من الأطفال يذكرون أن التلفاز يمدّهم ببعض المعلومات عن مواضع تفيدهم في الدراسة.
وبهذا يكون السبب الثاني لمشاهدة التلفاز هو اكتساب المعرفة بالنسبة للطفل باعتبار أن الجانب الترفيهي هو السبب الأول .
فالأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة ، يفضلون في الغالب البرامج التي تمثّلها الحيوانات، وشخصيات الكرتون/ الرسوم المتحركة، أو مسرح العرائس (الدمى)، ثم تتسع اهتمامات الأطفال لتشمل في مراحل الدراسة الأولى موضوعات المغامرات والقصص العلمية ،والمواقف المتعلقة بالأسرة والرفاق... وفي المراحل التالية ، يستطيع الطفل أن يتفاعل مع البرامج الثقافية والاجتماعية والعلمية المتطورة التي تنمّي خياله وتلبّي حاجاته لمعرفة المواقف الحياتية المختلفة وكيفية التعامل معها والاستعداد للحياة المستقبلية.
ولذلك يتضمّن التلفاز البرامج الموجهة للأطفال استناداً إلى خصائصهم العمرية ، والى تنوّع البرامج وفقاً لجوانب الثقافة المتعدّدة . فالبرامج العلمية المعرفية ، تهدف إلى إشباع شغف الأطفال في مجالات المعرفة المختلفة وتوسيع آفاقهم المعرفية وتنشيطها... وتهدف برامج التربية الأخلاقية والجمالية إلى إثراء حياة الأطفال بنظام القيم والمثل والاتجاهات الإنسانية الخلاّقة، أما البرامج التعليمية فتهدف ليس إلى تدعيم المعرفة المدرسية فحسب ، ولكن أيضاً إلى توسيعها وتعميقها ،والانطلاق بها إلى آفاق أبعد.
بعض الآراء في التلفاز :
ومن هنا أثارت فاعلية التلفاز، وتأثيراته التعليمية والتثقيفية ، اهتمام الباحثين ولاسيّما التربويون منهم ، وانقسموا بين مؤيد ومعارض، ولكلٍ منهم آراؤه وتفسيراته…
- التأثيرات الايجابية
فالمؤيدون يشيرون إلى أن التلفاز وسيلة نقل جذابة للمعلومات والمعارف المختلفة... وهي محرّض قوي لحفز الأطفال على تبنّي سلوكات ومواقف معينة.. إضافة إلى أنها توسّع آفاق الأطفال وتخلق لديهم الاهتمامات الإيجابية بجوانب متعدّدة من شؤون الحياة،وبما ينعكس بالتالي على البناء الشخصي للطفل، وتعزيز المهارات والقدرات المكونة لهذه الشخصية.. معالجة المواقف الاجتماعية الحياتية بصورة موضوعية دون تزييف أو خداع ، تعوّد الطفل الجرأة في إبداء الرأي وحسن التصرّف دون تردّد، وتعزّز لديه الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، وغير ذلك من النماذج السلوكية التي تسهم في التنشئة الاجتماعية السليمة، حيث يقوم التلفاز بتوجيه الأطفال نحو سلوكيات ومنهجيات اجتماعية إيجابية تتمثّل في ترسيخ مفهوم العادات الاجتماعية السليمة والأخلاق الحميدة، ويبعدهم عن السلوكيات السلبية التي ينفر الناس منها .
و نلخص أوجه التأثير التي يمكن أن يتركها التلفزيون بالأوجه التالية :
- يعمل التلفزيون على الإسراع في نمو عقلية الأطفال ، لأنه يعرض بصورة مبكرة مجالات جديدة من المعرفة و مشكلات كثيرة عن عالم الكبار، كما ينشط خيال الأطفال ، و يفتح المجال لإثارة موضوعات حيوية .
- يعتبر التلفزيون ب